فَقلت: استعجلوه.
فَمضى بَعضهم يستعجله، وَأَنا أتفقد الدَّار، وَالْأَحْوَال، والحاشية، فَوجدت الدَّار قد ماجت بِأَهْلِهَا موجا شَدِيدا.
فَلم أزل كَذَلِك، حَتَّى خرج الرجل، بعد أَن أَطَالَ، واستربت بِهِ، وَاشْتَدَّ قلقي وخوفي من أَن يتَوَارَى.
إِلَى أَن رَأَيْت شَيخا قد أقبل بزِي الْحمام، يمشي فِي الصحن، وَحَوله جمَاعَة كهول، وأحداث، وصبيان، هم أَوْلَاده، وغلمان كَثِيرَة، فَعلمت أَنه الرجل.
فجَاء حَتَّى جلس، وَسلم عَليّ سَلاما خَفِيفا، وسألني عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ، واستقامة أَمر حَضرته، فَأَخْبَرته بِمَا وَجب.
فَمَا انْقَضى كَلَامه حَتَّى جَاءُوهُ بأطباق الْفَاكِهَة، فَقَالَ لي: تقدم يَا مَنَارَة فَكل مَعنا.
فَقلت: مَا بِي إِلَى ذَلِك حَاجَة.
فَلم يعاودني، وَأَقْبل يَأْكُل هُوَ والحاضرون مَعَه، ثمَّ غسل يَدَيْهِ، ودعا بِالطَّعَامِ، فجاءوه بمائدة حَسَنَة جميلَة، لم أر مثلهَا إِلَّا للخليفة، فَقَالَ: تقدم يَا مَنَارَة فساعدنا على الْأكل، لَا يزِيد على أَن يدعوني باسمي، كَمَا يدعوني الْخَلِيفَة.
فامتنعت، فَلم يعاودني، وَأكل هُوَ وَأَوْلَاده، وَكَانُوا تِسْعَة، عددتهم وَجَمَاعَة كَثِيرَة من أَصْحَابه، وحاشيته، وَجَمَاعَة من أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده.
فتأملت أكله فِي نَفسه، فرأيته أكل الْمُلُوك، وَوجدت جأشه رابطا، وَذَلِكَ الِاضْطِرَاب الَّذِي كَانَ فِي دَاره قد سكن، وَوَجَدته لَا يرفع من بَين يَدَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute