للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتبين ذَلِك أبي فِي وَجْهي، فَقَالَ لي: يَا بني، إِذا خلونا، فسلني عَن السَّبَب فِيمَا عملته مَعَ هَذَا الرجل.

قَالَ: وَكَانَ أبي يَأْكُل فِي الدِّيوَان، وينام فِيهِ، وَيعْمل عشيا.

فَلَمَّا جلسنا نَأْكُل، لم أذكرهُ، على أَن رَأَيْت الطَّعَام قد كَاد يَنْقَضِي، فَقَالَ لي: يَا بني شغلك الطَّعَام عَن إذكاري بِمَا قلت لَك أَن تذكرني بِهِ؟ فَقلت: لَا، وَلَكِن أردْت أَن يكون ذَلِك على خلْوَة.

فَقَالَ: يَا بني، هَذَا وَقت خلْوَة، ثمَّ قَالَ: أَلَيْسَ قد أنْكرت، أَنْت والحاضرون، قيامي لِأَحْمَد بن خَالِد، فِي دُخُوله وَخُرُوجه، وَمَا عاملته بِهِ؟ فَقلت: بلَى.

قَالَ: كَانَ هَذَا يتقلد مصر، فَصَرَفته عَنْهَا، وَقد كَانَت طَالَتْ مدَّته فِيهَا، فتتبعته، فوطئت آثَار رجل لم أجد أجمل مِنْهُ آثارا، وَلَا أعف عَن أَمْوَال السُّلْطَان والرعية، وَلَا رَأَيْت رعية لعامل أشكر من رَعيته لَهُ.

وَكَانَ الْحُسَيْن الْخَادِم الْمَعْرُوف بعرق الْمَوْت صَاحب الْبَرِيد بِمصْر، من أصدق النَّاس لَهُ، وَكَانَ مَعَ هَذَا من أبْغض النَّاس، وأشدهم اضطرابا فِي أخلاقه، فَلم أتعلق عَلَيْهِ بِحجَّة.

وَوَجَدته قد أخر رفع الْحساب لسنة مُتَقَدّمَة ولسنته الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَلم يستتمها لصرفي لَهُ عَنْهَا، وَلم ينفذهُ إِلَى الدِّيوَان، فَسَمتْهُ أَن يحط من الدخل، وَأَن يزِيد فِي النَّفَقَات والأرزاق، وَيكسر من البقايا، فِي كل سنة مائَة ألف دِينَار،

<<  <  ج: ص:  >  >>