للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من وعثاء السّفر وَشدَّة الْجهد أكبر أعواننا عَلَيْهِم، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أحقق عَلَيْهِم حَتَّى ينهزمون، وَإِن استراحوا، فأقاموا، وَكَانُوا عددا لَا قبل لنا بِهِ، فيهزمونا، لَا يقدر جيشك على أَكثر من هَذَا، فأنهزم عَنْهُم مِقْدَار عشْرين فرسخا، وأجول فِي الصَّحرَاء شهرا، ثمَّ أكبسهم على غرَّة، فأقتلهم، وَإِن لم يستو لي هَذَا، وَكَانُوا متحرزين، فَمَا يُمكنهُم الطّواف خَلْفي فِي البراري والصحاري، ثمَّ لَا يحملهم الْبَلَد فِي الْمقَام، وَلَا الزَّاد، إِن كَانُوا كثيرين، فَإِن انْصَرف الْجُمْهُور مِنْهُم، وَبَقِي الْأَقَل، فهم قَتْلَى سيوفي، فِي أول يَوْم ينْصَرف الْجَيْش، وَيبقى من يتَخَلَّف، هَذَا إِن سلمُوا من وباء هَذَا الْبَلَد، ورداءة مَائه وهوائه الَّذِي لَا طَاقَة لَهُم بِهِ، لأَنهم نشئوا فِي ضِدّه، وربوا فِي غَيره، وَلَا عَادَة لأجسامهم بِالصبرِ عَلَيْهِ، ففكر فِي هَذَا، وَانْظُر، هَل يَفِي تعبك، وتغريرك بجيشك وعسكرك، وإنفاقك الْأَمْوَال، وتجهيزك الرِّجَال، وتكلفك هَذِه الأخطار، وتحملك هَذِه المشاق، بطلبي، وَأَنا مَعَ هَذَا خَالِي الذرع مِنْهَا، سليم النَّفس وَالْأَصْحَاب من جَمِيعهَا، وهيبتك تنخرق فِي الْأَطْرَاف عِنْد مُلُوكهَا، كلما جرى عَلَيْك من هَذَا شَيْء، ثمَّ لَا تظفر من بلدي بطائل، وَلَا تصل مِنْهُ إِلَى مَال وَلَا حَال، فَإِن اخْتَرْت بعد هَذَا محاربتي، فاستخر الله عز وَجل وأنفذ من شِئْت، وَإِن أَمْسَكت فَذَاك إِلَيْك.

قَالَ: ثمَّ جهزني، وأنفذني مَعَ عشرَة من أَصْحَابه إِلَى الْكُوفَة، فسرت مِنْهَا إِلَى الحضرة.

وَدخلت على المعتضد، فتعجب من سلامتي، وَقَالَ: مَا خبرك؟ فَقلت: شَيْء أذكرهُ سرا لأمير الْمُؤمنِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>