شفعت فيَّ، فَوَقَعت عَيْني فِي جوازي على أعدال خيش لي أعرفهَا، وَكَانَ مبلغها مائَة عدل.
فَقلت للخادم: أَلَيْسَ هَذَا من الخيش الَّذِي حمل من دَاري؟ قَالَ: بلَى.
فتأملته، فَإِذا هُوَ بشده وعلاماته، وَكَانَت هَذِه الأعدال قد حملت إِلَيّ من مصر، وَفِي كل عدل مِنْهَا ألف دِينَار، من مَال كَانَ لي بِمصْر، كتبت بِحمْلِهِ، فخافوا عَلَيْهِ من الطَّرِيق، فجعلوه فِي أعدال الخيش؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يكَاد يحملهُ اللُّصُوص، لَو وَقَعُوا عَلَيْهِ، فَلَا يَفْطنُون لما فِيهِ، فوصلت سَالِمَة، ولاستغنائي عَن المَال، لم أخرجه من الأعدال، وَتركته بِحَالهِ فِي بَيت من دَاري، وأقفلت عَلَيْهِ، وتوخيت أَيْضا بذلك ستر حَدِيثه، فتركته شهورا على حَاله لأنقله فِي وَقت آخر كَمَا أُرِيد.
وكبست، فَأخذ الْجَيْش فِي جملَة مَا أَخذ من دَاري، ولخسته عِنْدهم تهاونوا بِهِ، وَلم يعرف أحد مَا فِيهِ، فَطرح فِي تِلْكَ الدَّار.
فَلَمَّا رَأَيْته بشده، طمعت فِي خُلَاصَة، وَالْحِيلَة فِي ارتجاعه فَسكت، فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام من خروجي، راسلت السيدة، ورققتها، وشكوت حَالي إِلَيْهَا، وسألتها أَن تدفع إِلَيّ ذَلِك الخيش؛ لِأَنَّهُ لَا قدر لَهُ عِنْدهم، وَأَنا أنتفع بِثمنِهِ.
قَالَ: فاستحمقتني، وَقَالَت: أَي شَيْء قدر الخيش؟ ردُّوهُ عَلَيْهِ، فَسلم إِلَيّ بأسره.
ففتحته، وَأخذت مِنْهُ الْمِائَة ألف دِينَار، مَا ضَاعَ لي مِنْهَا دِينَار وَاحِد، وَأخذت من الخيش مَا أحتاج إِلَيْهِ، وبعت بَاقِيه بجملة وافرة.
فَقلت فِي نَفسِي: قد بقيت لي بَقِيَّة إقبال جَيِّدَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute