فَقَالَ لي: وَيحك يَا إِسْمَاعِيل، وَلم يكنني، مَا أَسْوَأ أدبك، وَأَقل عقلك ومروءتك، دخلت، فَلم تسلم عَليّ تَسْلِيم الْمُسلم على الْمُسلم، وَلَا توجعت لي توجع الْمُبْتَلى للمبتلى، وَلَا سَأَلتنِي مَسْأَلَة الْوَارِد على الْمُقِيم، حَتَّى إِذا سَمِعت مني بَيْتَيْنِ من الشّعْر الَّذِي لم يَجْعَل الله فِيك فضلا، وَلَا أدبا، وَلَا جعل لَك معاشا غَيره، لم تتذكر مَا سلف مِنْك فتتلافاه، وَلَا اعتذرت مِمَّا قَدمته، وفرطت فِيهِ من الْحق، حَتَّى استنشدتني مبتدئا، كَأَن بَيْننَا أنسا قَدِيما، أَو معرفَة سالفة، أَو صُحْبَة تبسط المنقبض.
فَقلت لَهُ: تعذرني متفضلا، فَإِن دون مَا أَنا فِيهِ مَا يدهش.
فَقَالَ: وَفِي أَي شَيْء أَنْت؟ أَنْت إِنَّمَا تركت قَول الشّعْر الَّذِي كَانَ بِهِ قوام جاهك عِنْدهم، وسببك إِلَيْهِم، فحبسوك حَتَّى تَقوله، وَأَنت لَا بُد أَن تَقوله، فَتطلق وَأَنا يدعى بِي السَّاعَة، فأطالب بإحضار عِيسَى بن زيد، وَهُوَ ابْن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن دللت عَلَيْهِ، لقِيت الله عز وَجل بدمه، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خصمي فِيهِ، وَإِن لم أفعل، قتلت، فَأَنا أولى بالدهش والحيرة مِنْك، وَأَنت ترى احتسابي وصبري.
فَقلت: يَكْفِيك الله عز وَجل، وأطرقت خجلا مِنْهُ.
فَقَالَ لي: لَا أجمع عَلَيْك التوبيخ وَالْمَنْع، اسْمَع الْبَيْتَيْنِ واحفظهما، فأعادهما عَليّ مرَارًا حَتَّى حفظتهما.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute