حدثت أَن المعتصم أَمر أَن يبْنى حبس فِي بُسْتَان مُوسَى، كَانَ الْقيم بِهِ مسرور مولى الرشيد.
قَالَ: وَكنت أرى أَعلَى هَذَا الْبناء من دجلة إِذا ركبتها، إِذْ كَانَ كالبئر الْعَظِيمَة، قد حفرت إِلَى المَاء، أَو قريب مِنْهُ، ثمَّ بني فِيهَا بِنَاء على هَيْئَة المنارة، مجوف من بَاطِنه، وَهُوَ من دَاخله مدرج، قد حفر فِيهِ، فِي مَوَاضِع من التدريج، مستراحات، وَبني فِي كل مستراح شَبِيها بِالْبَيْتِ، يجلس فِيهِ رجل وَاحِد، كَأَنَّهُ على مِقْدَاره، يكون مكبوبا على وَجهه، لَا يُمكنهُ أَن يجلس فِيهِ، وَلَا يمد رجلَيْهِ، فَلَمَّا قدم مُحَمَّد، حبس فِي بَيت فِي أَسْفَل ذَلِك الْحَبْس، فَلَمَّا اسْتَقر فِيهِ أَصَابَهُ من الْجهد لضيقه، وظلمته، وَمن الْبرد أَمر عَظِيم، لنداوة الْموضع ورطوبته، فكاد أَن يتْلف من سَاعَته.
فَتكلم بِكَلَام دَقِيق سَمعه من كَانَ فِي أعالي الْبِئْر مِمَّن وكل بالموضع، فَقَالَ: إِن كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ يُرِيد قَتْلِي، فالساعة أَمُوت، وَإِن لم يكن يُرِيد قَتْلِي فقد أشفيت عَلَيْهِ.
فَأخْبر المعتصم بذلك، فَقَالَ: مَا أُرِيد قَتله، وَأمر بِإِخْرَاجِهِ، فَأخْرج وَقد زَالَ عقله، وأغمي عَلَيْهِ، فَطرح فِي الشَّمْس، وطرحت عَلَيْهِ اللحف، وَأمر بحبسه فِي بَيت كَانَ قد بني فِي الْبُسْتَان، فَوْقه غرفَة، وَكَانَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute