فَسَأَلته عَن سَبَب ذَلِك، فَقَالَ: هَذَا رجل حمَار، لَا يغار على صناعته، وَهُوَ مَعَ هَذَا من أَشد النَّاس حِيلَة وشرا، وَهُوَ يعرف كبر نَفسِي، وَصغر نَفسه، وَقد بَدَأَ بِأبي جَعْفَر أَحْمد بن إِسْرَائِيل، فَصَرفهُ عَن ديوَان الْخراج، ونكبه، ونفاه إِلَى أنطاكية، وَلست آمن أَن يَجْعَلنِي فِي أَثَره.
قَالَ: فَمَا مضى إِلَّا أُسْبُوع، حَتَّى ظهر أَن أَبَا مُوسَى عِيسَى بن فرخان شاه القنائي الْكَاتِب قد سعى مَعَ شُجَاع فِي تقلد ديوَان الضّيَاع، ثمَّ تقلده صارفا لِلْحسنِ بن مخلد، وخلع عَلَيْهِ، فازداد جزع الْحسن، وأغلق بَابه، وَقطع الرّكُوب.
فَبَيْنَمَا أَنا عِنْده فِي بعض العشيات، إِذْ أَتَت رقْعَة من شُجَاع، يستدعيه، ويؤكد عَلَيْهِ فِي البدار، فارتاع، ونهض، وَتعلق قلبِي بِهِ، فَقَعَدت أنْتَظر، إِلَى أَن عَاد، وَهُوَ مغموم مكروب.
فَقلت: مَا خبرك؟ قَالَ: قد فرغ شُجَاع من التَّدْبِير عَليّ، وَذَلِكَ أَنه قد صَحَّ عِنْدِي بعد افتراقنا، أَن أوتامش قَالَ البارحة لبَعض خواصه: قد ثقلنا على شُجَاع، وحملناه مَالا يُطيق من كتبتي والوزارة، وَتَركنَا هَذَا الشَّيْخ الْحسن بن مخلد، متعطلا، وَلَا بُد أَن يفرج لَهُ شُجَاع عَن كتبتي، أَو الوزارة، لأقلده أَحدهَا، فَلَمَّا بلغ ذَلِك شجاعا، أنفذ إِلَيّ فِي الْوَقْت.
فَلَمَّا لَقيته السَّاعَة، قَالَ لي: يَا أَبَا مُحَمَّد، أَنْت شَيْخي، ورئيسي، وَأَنت اصطنعتني، وَأَنا معترف بِالْحَقِّ لَك، وَآخر مَا لَك عِنْدِي من الإنعام
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute