للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الثَّالِث تأهبت لِلْحَجِّ، فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامِي، يَقُول لي: وَيحك قبلت فِي ابْني طَاهِر قَول أعدائه، وَقطعت عَنهُ مَا كنت تبره بِهِ؟ لَا تفعل، فاقصده، وأعطه مَا فَاتَهُ، وَلَا تقطعه عَنهُ مَا اسْتَطَعْت.

قَالَ: فانتبهت فَزعًا، ونويت ذَلِك، وَأخذت صرة فِيهَا سِتّ مائَة دِينَار، وحملتها معي، فَلَمَّا صرت بِالْمَدِينَةِ بدأت بدار طَاهِر، فَدخلت عَلَيْهِ وَجَلَست، ومجلسه حفل.

فحين رَآنِي، قَالَ: يَا فلَان، لَو لم يبْعَث بك إِلَيْنَا مَا جئتنا.

فَقلت: كلمة وَافَقت أمرا، لَيْسَ إِلَّا أَن أتغافل، فَقلت: مَا معنى هَذَا الْكَلَام أصلحك الله؟ فَقَالَ: قبلت فِي قَول عَدو الله، وعدو رَسُوله، وَقطعت عادتك عني، حَتَّى لامك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامك وأمرك أَن تُعْطِينِي السِّت مائَة دِينَار، هَاتِهَا، وَمد يَده إِلَيّ.

فتداخلني من الدهش مَا ذهلت مَعَه، فَقلت: أصلحك الله، هَكَذَا وَالله كَانَت الْقَضِيَّة، فَمن أعلمك بذلك؟ فَقَالَ لي: بَلغنِي خبر دخولك الْمَدِينَة فِي السّنة الأولى، فَلَمَّا رَحل الْحَاج وَلم تأتني أثر ذَلِك فِي حَالي، وَسَأَلت عَن الْقِصَّة، فَعرفت أَن بعض أَعْدَائِنَا لقيك، فشنع بِي عنْدك، فآلمني ذَلِك.

فَلَمَّا كَانَ فِي الْحول الثَّانِي، بَلغنِي دخولك وخروجك، وَأَنَّك قد عملت على قَوْله فيَّ فازددت غما لذَلِك.

فَلَمَّا كَانَ مُنْذُ شهور، ازدادت إضاقتي، وَامْتنع مني النّوم غما لما دفعت إِلَيْهِ، فَفَزِعت إِلَى الصَّلَاة، فَصليت مَا شَاءَ الله، وَأَقْبَلت أَدْعُو بالفرج، فحملتني عَيْني فِي الْمِحْرَاب، فَنمت، فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامِي، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>