خَزَائِن الأَرْض لي، لكَانَتْ قد نفدت، يَا هَذَا، مَالك عِنْدِي تصرف، وَلَا عمل شاغر فأرده إِلَيْك، وَلَا فِي مَالِي فضل فأبرك، فدبر أَمرك بِحَسب ذَلِك، هَذَا وَالرجل سَاكِت.
فَلَمَّا سكن ابْن أبي الْبَغْل، قَامَ الرجل، وَقَالَ: أحسن الله جزاءك وَفعل بك وصنع، وأسرف فِي الشُّكْر وَالدُّعَاء لَهُ، وَولى منصرفا.
فَقَالَ ابْن أبي الْبَغْل: ردُّوهُ، فَرجع.
فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، هُوَ ذَا تسخر مني، على أَي شَيْء تشكرني؟ على إياسي لَك من التَّصَرُّف، أَو على قطع رجائك من الصِّلَة، أَو قَبِيح ردي لَك، أَو ضجري عَلَيْك؟ أم تُرِيدُ خدعتي بِهَذَا الْفِعْل؟ فَقَالَ: وَالله، مَا أُرِيد خداعك، وَمَا كَانَ مِنْك من قَبِيح الرَّد فَغير مُنكر، لِأَنَّك سُلْطَان، ولحقك ضجر، وَلَعَلَّ الْأَمر كَمَا ذكرته من كَثْرَة الواردين عَلَيْك، وَقد بعلت بهم، وَاتفقَ لقُوَّة نحسي، أَن كَانَ هَذَا الرَّد الْقَبِيح وَقع فِي بَابي، وَلم أشكرك إِلَّا فِي مَوضِع الشُّكْر، لِأَنَّك صدقتني عَمَّا فِي نَفسك من أول وهلة، وأعتقت عنقِي من رق الطمع، وأرحتني من التَّعَب بِالْغُدُوِّ والرواح إِلَيْك، وخدمة قوم أستشفع بهم إِلَيْك، وكشفت لي مَا أدبر بِهِ نَفسِي، وكسوتي جَدِيدَة، وَبَقِيَّة نفقتي معي، ولعلي أتحمل بهَا إِلَى بلد آخر، فِي وَجه أحد سواك.
قَالَ: فَأَطْرَقَ ابْن أبي الْبَغْل، وَمضى الرجل، فَرفع رَأسه، فاستدعاه، وَاعْتذر إِلَيْهِ، وَأمر لَهُ بصلَة، وَقَالَ لَهُ: خُذ هَذِه، إِلَى أَن أقلدك مَا يصلح لَك، فَإِنِّي أرى فِيك مصطنعا.
فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام قَلّدهُ عملا جَلِيلًا، وصلحت حَال الرجل مَعَه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute