فَقَالَ: دع مَا مضى، فَإِن الْحَال لَا تحْتَمل الْإِسْرَاف، فَأقبل يشرب، وَأَنا أساعده، فتغنى من وَرَاء الستارة، ثَلَاث جواري فِي نِهَايَة طيب الْغناء، كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ أطيب من الَّتِي أنْفق عَلَيْهَا مَاله.
فَلَمَّا طابت أَنْفُسنَا، قَالَ لي: تذكر أيامنا الأولة؟ قلت: نعم.
قَالَ: أَنا الْآن فِي نعْمَة متوسطة، وَمَا قد أفدته من الْعقل، وَالْعلم بِأَمْر الدُّنْيَا وَأَهْلهَا يسليني عَمَّا ذهب مني، وَهُوَ ذَا ترى فرشي، وآلتي، ومركوبي، وَإِن لم يكن ذَلِك بالعظيم المفرط، فَفِيهِ جمال، وبلاغ، وتنعم، وكفاية، وَهُوَ مغن عَن الْإِسْرَاف، والتخرق، والتبذير، وَقد تخلصت من تِلْكَ الشدَّة، تذكر يَوْم عاملتني فُلَانَة الْمُغنيَة، بِمَا عاملتني؟ قلت: نعم وَالْحَمْد لله الَّذِي كشف ذَلِك عَنْك، فَمن أَيْن هَذِه النِّعْمَة؟ قَالَ: مَاتَ مولى لأبي، وَابْن عَم لي، فِي يَوْم وَاحِد بِمصْر، فَحصل لي من تركتهما أَرْبَعُونَ ألف دِينَار، فوصل أَكْثَرهَا إِلَيّ، وَأَنا بَين الْقطن كَمَا رَأَيْتنِي، فحمدت الله، واعتقدت التَّوْبَة من التبذير، وَأَن أدبر مَا رزقته، فعمرت هَذِه الدَّار بِأَلف دِينَار، واشتريت الْفرش، والآلة، والجواري بِتِسْعَة آلَاف دِينَار، وسلمت إِلَى بعض التُّجَّار الثِّقَات، ألفي دِينَار، يتجر لي بهَا، وأودعت بطن الأَرْض عشرَة آلَاف دِينَار، للحوادث، وابتعت بِالْبَاقِي ضَيْعَة تغل لي فِي كل سنة نفقتي هَذِه الَّتِي شاهدتها، فَمَا أحتاج إِلَى قرض، وَلَا استزادة، وَلَا تقبل غلَّة، إِلَّا وَعِنْدِي بَقِيَّة من الْغلَّة الأولة، فَأَنا أتقلب فِي نعْمَة الله، عز وَجل، كَمَا ترى، وَمن تَمام النِّعْمَة، إِنِّي لَا أعاشرك، وَلَا أحدا مِمَّن كَانَ يحسن لي السَّرف، يَا غلْمَان، أَخْرجُوهُ.
قَالَ: فأخرجت، فوَاللَّه مَا أذن لي بعْدهَا فِي الدُّخُول عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute