ثمَّ أقبل الثَّانِي، وَبَين يَدَيْهِ عبد على كتفه كارة، فصبها بَين يَدَيْهِ، فَإِذا فِيهَا حلي مخلع من بَنَاته ونسائه.
فَقَالَ: وَالله، مَا تركت لَهُنَّ شَيْئا، إِلَّا أَخَذته.
وَأَقْبل الثَّالِث، وَمَعَهُ غلامان، مَعَهُمَا كارتان عظيمتان من فاخر ثِيَابه، فَوضع ذَلِك بَين يَدي.
ثمَّ قَالَ: يَابْنَ هرمة، أَنا أعْتَذر إِلَيْك من قلَّة مَا حبوتك بِهِ، مَعَ بعد الْعَهْد، وَطول الشقة، وسعة الأمل، وَلَكِنَّك جئتنا فِي آخر السّنة، وَقد تقسمت أَمْوَالنَا الْحُقُوق، ونهبتنا أَيدي المؤملين، فَلم يبْق عندنَا غير هَذِه الصبابة، آثرناك بهَا على أَنْفُسنَا، وسللناها لَك من أفواهنا، وَلَو قدمت قبل هَذَا الْإِعْسَار؛ لأعطيناك مَا يَكْفِيك، وَلَو علمنَا بك؛ لأتاك عفوا، وَلم تتجشم الْمَشَقَّة، وَلم نحوجك إِلَى مَا سوانا، وَذَلِكَ منا لَك أبدا، مَا بقيت، فأقسم عَلَيْك، لما أَصبَحت إِلَّا على ظهر راحلتك، وتداركت أهلك، فخلصتهم من هَذِه المحنة، فَقُمْت إِلَى نَاقَتي، فَإِذا هِيَ قد ضعفت.
فَقَالَ: مَا أرى فِي نَاقَتك خيرا، يَا غُلَام، أعْطه نَاقَتي الْفُلَانِيَّة، فجِئ بهَا برحلها، فَكَانَت، وَالله، أحب إِلَيّ من جَمِيع مَا أَعْطَانِي، ثِقَة ببلوغها، ثمَّ دَعَا بناقتين أُخْرَيَيْنِ، وأوقرهما من المَال وَالثيَاب، وَزَادا يَكْفِينِي لطريقي، ووهب لي عَبْدَيْنِ.
وَقَالَ: هَذَانِ يخدمانك فِي السَّقْي والرعي، فَإِن شِئْت بعتهما، وَإِن شِئْت أبقيتهما، أفتلومني أَنِّي أغص حذار سخطه بريقي؟ قَالَ: لَا وَالله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute