إِلَى أَن أخلى لنا مَجْلِسه يَوْم خَمِيس، وناظرنا مناظرة طَوِيلَة، وشدد علينا، حَتَّى كدنا أَن نجيبه، وَكَانَ علينا فِي ذَلِك ضَرَر كَبِير، وخسران ظَاهر، لَو أجبناه.
فَقلت لأبي يحيى: اجْتهد أَن تدفع الْمجْلس الْيَوْم؛ لنفكر إِذا انصرفنا، كَيفَ نعمل.
وَكَانَ أَبُو يُوسُف مُحدثا طيب الحَدِيث، فجره أَبُو يحيى إِلَى المحادثة، وَسكت لَهُ يستمع.
وَكَانَت عَادَة أبي يُوسُف فِي كَلَامه، أَن يَقُول فِي كل قِطْعَة من حَدِيثه: أفهمت؟ فَكَانَ كلما قَالَ ذَلِك لأبي يحيى؛ قَالَ لَهُ: لَا، فَأَعَادَ أَبُو يُوسُف الحَدِيث، وَيخرج مِنْهُ إِلَى حَدِيث آخر.
فَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن حميت الشَّمْس، وَقربت من موضعنا، فَرجع أَبُو يُوسُف إِلَى ذكر الضَّمَان، وطالبنا بِالْعقدِ.
فَقلت: إِنَّه قد حمي الْوَقْت، وَهَذَا لَا يَتَقَرَّر فِي سَاعَة، وَلَكِن نعود غَدا، ورفقنا بِهِ، فَقَالَ: انصرفا، فانصرفنا.
واستدعانا من غَد، فكتبنا إِلَيْهِ: هَذَا يَوْم جُمُعَة، يَوْم ضيق، وَيحْتَاج فِيهِ إِلَى دُخُول الْحمام، وَالصَّلَاة، وَقل أَمر يتم قبل الصَّلَاة، وَلَكنَّا نبكر يَوْم السبت.
فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت؛ صرنا إِلَيْهِ، وَقد وَضعنَا فِي أَنْفُسنَا الْإِجَابَة، فحين دَخَلنَا عَلَيْهِ، ورد عَلَيْهِ كتاب فقرأه، وشغل قلبه، فَقَالَ: انصرفا الْيَوْم.
فانصرفنا، ورحل من الْغَد عَن الأهواز؛ لِأَن الْكتاب كَانَ يتَضَمَّن صرفه، فبادر قبل وُرُود الصَّارِف، وكفينا أمره.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute