فَإِن رَأَيْتُمَا أَن تتفضلا بإيصالها إِلَيْهِ، فعلتما، وَأخرج رقْعَة طَوِيلَة جدا.
فَلَمَّا رأيها؛ قَالَا لَهُ: هَذِه عَظِيمَة، وَلَا ينشط الْأَمِير لقراءتها، فغيرها واختصرها، وعد فِي وَقت آخر، فَإنَّا نعرضها عَلَيْهِ.
فَقَالَ: الَّذِي أحب، أَن تتفضلا بِعرْض هَذِه الرقعة.
فدافعاه عَن ذَلِك، فَقَامَ يجر رجلَيْهِ، منكسر الْقلب، فتداخلني رَحْمَة لَهُ، وَركبت، وَدخلت على سيف الدولة، وَهُوَ جَالس.
وَكَانَ رسمه أَن لَا يصل إِلَيْهِ أحد، إِلَّا برقعة يَكْتُبهَا الْحَاجِب، باسم من حضر، فَإِذا قَرَأَ الرقعة، إِن شَاءَ أذن لَهُ، وَإِن شَاءَ صرفه.
فَلَمَّا استقررت عرض الْحَاجِب عَلَيْهِ رقْعَة فِيهَا: فلَان بن فلَان، الْموصِلِي الضَّرِير.
فَقَالَ لَهُ: هَذَا فِي الدُّنْيَا؟ أَيْن هُوَ؟ فَقيل: بِالْبَابِ.
فَقَالَ: يدْخل، فَمَا أَظُنهُ، مَعَ مَا أعرفهُ من زهده فِي الطّلب وَقصد الْمُلُوك، قصدنا إِلَّا من شدَّة، فَدخل الشَّيْخ الَّذِي رَأَيْته عِنْد الصلحي والمغربي.
فَلَمَّا رَآهُ استدناه، وبش لَهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، أما سَمِعت بِأَنا فِي الدُّنْيَا؟ أما علمت مَكَاننَا على وَجه الأَرْض؟ أما حَان لَك أَن تَزُورنَا إِلَى الْآن، مَعَ مَا لَك من الْحُرْمَة وَالسَّبَب الوكيد؟ لقد أَسَأْت إِلَى نَفسك، وأسأت الظَّن بِنَا.
فَجعل يَدْعُو لَهُ ويشكره، وَيعْتَذر، فقربه، وَجلسَ سَاعَة، ثمَّ سلم إِلَيْهِ تِلْكَ الرقعة بِعَينهَا، فَأَخذهَا من يَده، وَقرأَهَا.
ثمَّ استدعى يُونُس بن بَابا، وَكَانَ خازنه، فَحَضَرَ، فَأسر إِلَيْهِ شَيْئا.
ثمَّ استدعى رَئِيس الفراشين، فخاطبه سرا.
واستدعى خَادِمًا لَهُ، فخاطبه بِشَيْء.