للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشيره وثقته وَمَوْضِع سره وأنسه، وَإِن جاريتي، فُلَانَة، أحسن النَّاس وَجها وغناء، وَهِي مني بِمحل نَفسِي، وَقد كدرت عَليّ صفو الْحَيَاة، ونغصتها عَليّ، بعجبها بِنَفسِهَا، وبتجنيها عَليّ وإدلالها؛ لما تعلمه من حبي لَهَا، وَإِنِّي محضرها، ومحضر صَاحِبَة لَهَا لَيست مِنْهَا فِي شَيْء؛ لتغني مَعهَا، فَإِذا غنت أَوْمَأت إِلَيْك على أَن أمرهَا أبين من أَن يخفى عَلَيْك، فَلَا تستحسن غناءها، وَلَا تشرب عَلَيْهِ، وَإِذا غنت الْأُخْرَى، فَاشْرَبْ، واطرب، وَاسْتحْسن، وشق ثِيَابك، وَعلي بِكُل ثوب مائَة ثوب.

فَقلت: السّمع وَالطَّاعَة، لأمير الْمُؤمنِينَ.

فَجَلَسَ فِي حجرَة خلوته، وأحضرني، وسقاني أرطالا، فغنت المحسنة، وَقد أَخذ مني الشَّرَاب، فَمَا ملكت نَفسِي أَن استحسنت، وطربت، فَأَوْمأ إِلَيّ، وقطب فِي وَجْهي.

ثمَّ غنت الاخري، فَجعلت أتكلف القَوْل، وأفعله.

ثمَّ غنت المحسنة ثَانِيَة، فَأَتَت بِمَا لم أسمع مثله حسنا قطّ، فَمَا ملكت نَفسِي أَن صحت، وطربت، وشربت، وَهُوَ ينظر إِلَيّ، ويعض شَفَتَيْه غيظا عَليّ، وَقد زَالَ عَقْلِي، فَمَا أفكر فِيهِ، حَتَّى فعلت ذَلِك مرَارًا، وَكلما زَاد شربي، ذهب عَقْلِي.

فَأمر بجر رجْلي وصرفي، وَأمر أَن لَا أَدخل عَلَيْهِ، فَجَاءَنِي النَّاس يتوجعون لي، ويسألون عَن قصتي، فَقلت: حمل عَليّ النَّبِيذ، فأسأت أدبي، فَمَنَعَنِي من الدُّخُول إِلَيْهِ.

وَمضى لما أَنا فِيهِ شهر، وَقد استمرت عَليّ المحنة.

فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك، إِذْ جَاءَتْنِي الْبشَارَة، بِأَنَّهُ قد رَضِي عني، وَأمر بإحضاري، فَحَضَرت، وَأَنا خَائِف، فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ؛ أَعْطَانِي يَده فَقَبلتهَا، فَضَحِك إِلَيّ، ثمَّ قَامَ وَقَالَ: اتبعني.

<<  <  ج: ص:  >  >>