قطعه وَأَنا أرَاهُ، وغاص الَّذِي قطعه عَن عَيْني فَلم أثْبته.
ثمَّ دَعَا بنحرير الْخَادِم وَحلف لَهُ بأيمان مُغَلّظَة، أَنه إِن لم يبْحَث إِلَى أَن يحضر الْجَانِي، ليضربن عُنُقه، وَجلسَ على حَاله مغضبا.
وَمضى نحرير، فَمَا أبعد حَتَّى أحضر صَبيا من الفراشين، كَأَنَّهُ الْبَدْر حسنا، وَقطعَة الديباج مَعَه، وَقد أقرّ بقطعها، وَاعْتذر، وبذل التَّوْبَة، وَهُوَ يبكي، وَيسْأل الْإِقَالَة.
فَلم يسمع الْمُعْتَمد مِنْهُ ذَلِك، وَأمر نحرير أَن يُخرجهُ، فَيقطع يَده، فَأخْرج، وَمَا منا إِلَّا من آلمه قلبه عَلَيْهِ؛ لملاحة وَجهه، وَصغر سنه، وَلَيْسَ منا من يَجْسُر على مَسْأَلَة الْمُعْتَمد فِيهِ، وَنحن قيام سكُوت.
حَتَّى صرخَ الْمُعْتَمد على الله من يَده صراخا عَظِيما وتأوه، وَقَالَ: قد دخل شَيْء فِي أُصْبُعِي السَّاعَة، وَزَاد الْأَلَم عَلَيْهِ، وَجِيء بِمن رَآهَا، فأحضر منقاشا، فأخرجت من إصبعه شظية من قصب كالشعرة، فَمَا نَدْرِي مِم يتعجب، من صغرها؟ أَو من دُخُولهَا فِي لَحْمه مَعَ ضعفها؟ أَو من شدَّة إيلامها إِيَّاه، وَمن كَونهَا فَوق الديباج سَاعَة طرح ونفض؟ فَلَمَّا استراح؛ قَالَ: يَا قوم، إِن كَانَ هَذَا الْقدر الْيَسِير قد آلمني هَذَا الْأَلَم الْكثير، فَمَا حَال هَذَا الصَّبِي الَّذِي أمرنَا بِقطع يَده؟ قُلْنَا: أَسْوَأ حَال وأشدها، فَيجب أَن تجْعَل الْعَفو عَنهُ شكرا لما كفيته.
فَقَالَ: ابْعَثُوا إِلَى نحرير من يلْحقهُ، فَإِن كَانَ لم يقطعهُ؛ منع من قطعه.
فتسابق الغلمان، فلحقوه، وَالزَّيْت يغلي، وَقد مدت يَده لتقطع، فخلوه، وَسلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute