وَجعل الْمسك فِي كمه، والصينية فِي خفه، وَالْملك يرَاهُ.
وَخرج وَعَاد إِلَى منزله، ورد العواري إِلَى أَهلهَا، وَبَاعَ الْمسك، وَكسر الصينية، وَجعلهَا دَنَانِير، واتسع بهَا حَاله.
وأفاق الْملك، من غَد، من سكره، وَسمع من يخْدم فِي الشَّرَاب يطْلب الصينية، وقهرمان الدَّار يضْرب قوما فِي طلبَهَا، فَذكر حَدِيث الْحَاجِب، وَعلم أَنه مَا حمل نَفسه على الْغرَر الشَّديد فِي ذَلِك، إِلَّا من وَرَاء شدَّة وضر.
فَقَالَ لقهرمانة: لَا تطلب الصينية، فَمَا لأحد فِي ضياعها ذَنْب، فقد أَخذهَا من لَا يردهَا، وَرَآهُ من لَا ينم عَلَيْهِ.
فَلَمَّا كَانَ بعد سنة؛ عَاد ذَلِك الْحَاجِب إِلَى شدَّة الإضاقة، بنفاد الدَّنَانِير، وبلغه خبر سماط يكون عِنْد الْملك، فِي غَد يَوْمه، فاحتال بحيلة أُخْرَى، حَتَّى دخل إِلَى حَضْرَة الْملك، وَهُوَ يشرب.
فَلَمَّا رَآهُ الْملك؛ قَالَ: يَا فلَان، نفذت تِلْكَ الدَّنَانِير؟ فَقبل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، وَبكى، ومرغ خديه، وَقَالَ: أَيهَا الْملك، قد احتلت مرَّتَيْنِ، على أَن تقتلني فَأَسْتَرِيح مِمَّا أَنا فِيهِ، من عظم الضّر الَّذِي أعانيه، أَو تَعْفُو عني كَمَا يَلِيق بك، وتذكر خدمتي، فأعيش فِي ظلك، وَلَيْسَت لي بعد هَذَا الْيَوْم حِيلَة.
فرق لَهُ الْملك، وَعَفا عَنهُ، وَأمر برد أرزاقه عَلَيْهِ وَنعمته، ورده إِلَى حَالَته الأولى فِي خدمته.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute