للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبكرت يَوْمًا إِلَى أَحْمد بن أبي خَالِد مغلسا؛ لأكلمه فِي أَمْرِي، فَرَأَيْت بَابه قد فتح، وَخرج وَبَين يَدَيْهِ شمعة، يُرِيد دَار الْمَأْمُون.

فَلَمَّا نظر إِلَيّ؛ أنكر عَليّ بكوري، وَعَبس فِي وَجْهي، وَقَالَ: فِي الدُّنْيَا أحد بكر هَذَا البكور ليشغلنا عَن أمرنَا.

فَلم تصبر نَفسِي أَن قلت: لَيْسَ الْعجب مِنْك، أصلحك الله، فِيمَا استقبلتني بِهِ، وَإِنَّمَا الْعجب مني، وَقد سهرت لَيْلَتي، وأسهرت من فِي دَاري تأميلا لَك، وتوقعا للصبح؛ لأصير إِلَيْك، فأبثك أَمْرِي، وأستعين بك على صَلَاح حَالي، وَإِلَّا فَعَلَيَّ، وعليَّ، وَحلفت يَمِينا غَلِيظَة، لَا وقفت ببابك، وَلَا سَأَلتك حَاجَة، حَتَّى تصير إِلَيّ معتذرا مِمَّا كَلَّمتنِي بِهِ.

وانصرفت مغموما مكروبا بِمَا لَقِيَنِي بِهِ، متندما على مَا فرط مني، غير شَاك فِي العطب، إِذْ كنت لَا أقدر على الْحِنْث، وَكَانَ ابْن أبي خَالِد لَا يلْتَفت إِلَى إبرار قسمي.

فَإِنِّي لكذلك، وَقد طلعت الشَّمْس، إِذْ طلع بعض غلماني، فَقَالَ: أَحْمد بن أبي خَالِد، مقبل فِي الشَّارِع، ثمَّ دخل آخر، فَقَالَ: قد دخل دربنا، ثمَّ دخل آخر، فَقَالَ: قد وقف على الْبَاب، ثمَّ تبادر الغلمان بِدُخُولِهِ الدهليز، فَخرجت مُسْتَقْبلا لَهُ.

فَلَمَّا اسْتَقر بِهِ مَجْلِسه فِي دَاري؛ ابتدأت أشكره على إبراره قسمي، فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ، كَانَ أَمْرِي بالبكور إِلَيْهِ فِي بعض مهماته، فَدخلت إِلَيْهِ، وَقد غلبني الْفِكر؛ لما فرط مني إِلَيْك، حَتَّى أنكر ذَلِك، فقصصت عَلَيْهِ قصتي مَعَك.

فَقَالَ: قد أَسَأْت بِالرجلِ، قُم، فَامْضِ إِلَيْهِ، فَاعْتَذر مِمَّا قلت لَهُ.

قلت: فأمضي إِلَيْهِ فارغ الْيَد؟

<<  <  ج: ص:  >  >>