فَلَمَّا عُدْتُ؛ وَجَدْتُ الْبَيْتَ مَفْتُوحًا، فَارِغًا، فَتَحَيَّرْتُ، وَنَزَلَتْ بِي شِدَّةٌ مَا مَرَّ بِي قَطُّ مِثْلَهَا.
فَقُلْتُ: هَذَا أَعْظَمُ لِلثَّوَابِ، فَمَا وَجْهُ الْغَمِّ، فَاسْتَسْلَمْتُ لأَمْرِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ، لَا حِيلَةَ لِي، وَلا تَسْمَحُ نَفْسِي بِالْمَسْأَلَةِ، فَاتَّصَلَ مُقَامِي ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، مَا طَعِمْتُ فِيهَا شَيْئًا.
فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ؛ بَدَأَ فِيَّ الضَّعْفُ سَحَرًا، وَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي، وَذَكَرْتُ قَوْلَ جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُهَا حَتَّى شَرِبْتُ مِنْهَا، وَرَجَعْتُ أُرِيدُ بَابَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامُ؛ لأَسْتَرِيحَ فِيهِ.
فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ؛ إِذْ عَثَرْتُ فِي الطَّرِيقِ بِشَيْءٍ أَوْجَعَ إِصْبَعِي، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ لأَمْسِكَهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى هِمْيَانٍ أدمٍ أَحْمَرَ كَبِيرٍ، فَأَخَذْتُهُ.
فَلَمَّا حَصَلَ فِي يَدِي؛ نَدِمْتُ، وَعَلِمْتُ أَنَّ اللُّقَطَةَ، مَا لَمْ تُعَرَّفْ، حَرَامٌ.
وَقُلْتُ: إِنْ تَرَكْتُهُ الآنَ؛ كُنْتُ أَنَا الْمُضَيِّعَ لَهُ، وَقَدْ لَزمَنِي أَنْ أُعَرِّفَهُ، وَلَعَلَّ صَاحِبَهُ، إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِ، أَنْ يَهَبَ لِي شَيْئًا أَقْتَاتُهُ حَلالا.
فَجِئْتُ إِلَى بَيْتِي، وَفَتَحْتُ الْهِمْيَانَ، فَإِذَا فِيهِ دَنَانِيرُ صُفْرٌ، تَزِيدُ عَلَى أَلْفَيْ دِينَارٍ.
فَسَدَدْتُهُ، وَرَجَعْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْحِجْرِ، وَنَادَيْتُ: مَنْ ضَاعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute