للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: لم أقل هَذَا؛ لِأَنَّك تقتصر فِي نَفسِي عَن غَيره، وَلَكِن يَنْبَغِي لِلْكَاتِبِ وَالْعَامِل أَن يحسنا كل شَيْء يَقع عَلَيْهِ اسْم كِتَابَة وعمالة.

ثمَّ قَالَ: خُذ هَذَا الصَّك، واقبض مَا فِيهِ من الجهبذ، واجلس فِي الْمَسْجِد لداري، وَأنْفق فِي الصِّنْف الْفُلَانِيّ من أهل هَذِه الجريدة.

قَالَ: فَأخذت الصَّك، وَكَانَ بألوف دَنَانِير، فَأخذت مَاله، وأنفقت فِي الْقَوْم، وَتَفَرَّقُوا وهم شاكرون، وَفضل مَال من ذَلِك، وكتبت إِلَيْهِ بِخَبَرِهِ، واستأمرته فِيمَا أعمل بِهِ.

فَقَالَ: خُذْهُ من رزقك.

وَأَعْطَانِي مَالا ثَانِيًا، وَقَالَ: أنفقهُ فِي الصِّنْف الآخر، إِلَى أَن أنفقت فِي جَمِيع أهل الجريدة، فَحصل لي من ذَلِك زِيَادَة على ألف دِينَار، فجعلتها فِي طريقي لنفقتي.

وشخصت قبله إِلَى ديار مُضر، فَنَظَرت فِي الْعَمَل، وَسَار هُوَ مجتازا إِلَى مصر.

واستأذنته فِي الْمسير إِلَيْهَا مَعَه، فَقَالَ: لَا أحب أَن أعجل لَك الصّرْف، وَنحن نمضي إِلَى أَعمال فِيهَا قوم، ولعلي أَقف من حَالهم على مَا لَا يجوز مَعَه صرفهم، فَتحصل أَنْت على الصّرْف الْمُعَجل، وَلَكِن أقِم بمكانك وعملك، وأسير أَنا، فَإِن احتجتُ إِلَى متصرفين، كنتَ أول من استدعيته.

فشكرته، وأقمت فِي عَمَلي سنتَيْن، أثريت فيهمَا، وعظمت حَالي، وَلم يتَّفق استدعاؤه إيَّايَ إِلَى مصر، إِلَى أَن صرفت وانسللت من الرقة، وَدخلت بَغْدَاد موفرا، وَمَعِي مَال جليل، فابتعت بِهِ ضَيْعَة، ولزمتها، وَتركت التَّصَرُّف.

<<  <  ج: ص:  >  >>