فَقَالَ: امْضِ فِيهَا، فمضيت فِيهَا، حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى وَصفه جمله.
فَقَالَ جَعْفَر: ضيق علينا مَا اتَّسع من مسامرة السهر، بجمل أجرب.
فَقَالَ الرشيد: اسْكُتْ، فَهِيَ الَّتِي سلبتك تَاج ملكك، وأزعجتك عَن قراراك، ثمَّ جعلت جلودها سياطا، تضرب بهَا أَنْت وقومك عِنْد الْغَضَب.
فَقَالَ جَعْفَر: الْحَمد لله، عوقبت من غير ذَنْب.
فَقَالَ الرشيد: أَخْطَأت فِي كلامك، لَو قلت: أستعين بِاللَّه؛ قلت صَوَابا، إِنَّمَا يحمد الله، تَعَالَى، على النعم، ويستعان على الشدائد.
ثمَّ قَالَ لي: إِنِّي لأجد مللا، وَهَذَا جَعْفَر، ضيف عندنَا، فسامره بَاقِي ليلتك، فَإِذا أَصبَحت؛ فَإِن وضاء الْخَادِم يلقاك بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم.
قَالَ: ثمَّ قربت إِلَيْهِ النَّعْل، فَجعل الْخَادِم يصلح عقب النَّعْل فِي رجله، فَقَالَ: ارْفُقْ وَيحك، أحسبك قد عقرتني.
فَقَالَ: جَعْفَر: قَاتل الله الْعَجم، لَو كَانَت سندية؛ مَا احْتَاجَ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى هَذِه الكلفة.
فَقَالَ: هَذِه نَعْلي ونعل آبَائِي، مَا تدع نَفسك والتعرض لما تكره.
ثمَّ قَالَ لي جَعْفَر: لَوْلَا أَن الْمجْلس مجْلِس أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلَا يجوز لي فِيهِ أَن آمُر بِمثل مَا أَمر بِهِ؛ لأمرت لَك بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم، وَلَكِنِّي آمُر لَك بِتِسْعَة وَعشْرين ألف دِرْهَم، فَإِذا أصبحتَ فاقبضها والزم الْبَاب.
قَالَ: فَمَا صليت من غَد الصُّبْح، إِلَّا وَفِي منزلي مَا أَمر لي بِهِ، فأيسرت ولزمتهما، وَزَالَ مَا كنت فِيهِ من الضّر، وأتى الإقبال، وَالنعْمَة والسلامة، وأفلحت، وَللَّه الْحَمد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute