للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام: ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يقول: أنا مؤمن بلا استثناء إذا أراد ذلك -أي أصل الإيمان- لكن ينبغي أن يقرن كلامه بما يبين أنه لم يرد الإيمان المطلق، ولهذا كان أحمد يكره أن يجيب على المطلق بلا استثناء يقدمه (١).

وقال أيضًا: والقول الثالث أوسطها وأعدلها أنه يجوز الاستثناء باعتبار وتركه باعتبار، فإن كان مقصوده أني لا أعلم أني قائم بكل ما أوجب الله عليَّ وأنه يقبل أعمالي ليس مقصوده الشك فيما في قلبه فهذا استثناؤه حسن وقصده ألَّا يزكي نفسه (٢).

والمذهب الحق في ذلك هو ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن الاستثناء الذي ورد عن السلف باعتبار عدم قيام الإنسان بسائر الأعمال التي أمر الله تعالى بها وتقصيره في ذلك، لا باعتبار عدم علمه بالمستقبل وما يموت عليه.

وقد ذهب عامة الأشاعرة إلى وجوب الاستثناء باعتبار أن الإيمان عندهم هو ما مات عليه الإنسان، فيكون مؤمنًا أو كافرًا، باعتبار الموافاة فهو يستثني لأنه لا يعلم ما يموت عليه. قال الجويني: "فإن قيل: قد أثر عن سلفكم ربط الإيمان بالمشيئة، وكان إذا سئل الواحد منهم عن إيمانه قال إنه مؤمن إن شاء الله، فما محصول ذلك؟ قلنا: الإيمان ثابت في الحال قطعًا لا شك فيه، ولكن الإيمان الذي هو علم الفوز وآية النجاة إيمان الموافاة، فاعتنى السلف به، وقرنوه بالمشيئة، ولم يقصدوا التشكك في الإيمان الناجز" (٣).


(١) الفتاوى (٧/ ٤٤٩).
(٢) المرجع السابق (١٣/ ٤١).
(٣) الإرشاد للجويني ص (٣٣٦).

<<  <   >  >>