للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فقد قرر القرطبي أن المسألة خلافية، ثم بيَّن أن القول الصحيح جواز الاستثناء وعدمه -وهو الحق- ولكنه لم يعلل الاستثناء بتعليل السلف، وهو عدم قيامه بكامل الأعمال التي أمر بها والخوف من التقصير فيها، إنما علل بتعليل الأشاعرة أي بالموافاة حيث قال: "وفيه حجة لمن يقول: "أنا مؤمن" بغير استثناء، وهي مسألة اختلف فيها السلف، فمنهم المجيز والمانع، وسبب الخلاف النظر إلى الحال، أو إلى المآل، فمن منع خاف من حصول شك في الحال، أو تزكية، ومن أجاز صرف الاستثناء إلى الاستقبال، وهو غيب في الحال إذ لا يدري بما يختم له، والصواب الجواز إذا أمن الشك والتزكية، فإنه تفويض إلى الله تعالى" (١).

وقد رد شيخ الإسلام هذا التعليل، وبيَّن أنه ليس من مذهب السلف، حيث قال: "وأمَّا الموافاة فما علمت أحدًا من السلف علل بها الاستثناء، ولكن كثيرًا من المتأخرين يعلل بها من أصحاب الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم، كما يعلل بها نظارهم كأبي الحسن الأشعري، وأكثر أصحابه، ولكن ليس هذا قول سلف أصحاب الحديث" (٢).

وقال أيضًا: لما اشتهر عند هؤلاء أن السلف يستثنون في الإيمان ورأوا أن هذا لا يمكن إلَّا إذا جعل الإيمان هو ما يموت العبد عليه، وهو ما يوافي به العبد ربه، ظنوا أن الإيمان عند السلف هو هذا، فصاروا يحكون هذا عن السلف، وهذا القول لم يقل به أحد من السلف، ولكن هؤلاء حكوه عنهم بحسب ظنهم" (٣).


(١) المفهم (١/ ٣٦٦).
(٢) الفتاوى (٧/ ٤٣٩).
(٣) الفتاوى (٧/ ٤٣٦).

<<  <   >  >>