للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسه بعلم الكلام وأن الجوهر الفرد لا يقبل الانقسام وتغلغل في تلك الشعاب عدة أحقاب" (١). وقال المقري: "وكان يشتغل أولًا بالمعقول" (٢).

فنقده لعلم الكلام نقد المجرب الخبير، حيث قال عند شرحه لحديث: "إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِمُ" (٣): "وهذا الخصم المبغوض عند الله تعالى هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق، ورده بالأوجه الفاسدة، والشبه الموهمة، وأشد ذلك؛ الخصومة في أصول الدين، كخصومة أكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وسلف أمته إلى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة، وقوانين جدلية، وأمور صناعية، مدار أكثرها على مباحث سوفسطائية، أو مناقشات لفظية ترد بشبهها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها وشكوك يذهب الإيمان معها، وأحسنهم انفصالًا عنها أجدلهم لا أعلمهم، فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها، وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها! ثم إن هؤلاء المتكلمين قد ارتكبوا أنواعًا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال لما بحثوا عن تحيز الجواهر والأكوان والأحوال، ثم إنهم أخذوا يبحثون فيما أمسك عن البحث فيه السلف الصالح، ولم يوجد عنهم فيه بحث واضح، وهو كيفية تعلقات صفات الله تعالى وتقديرها، واتخاذها في أنفسها، وأنها هي الذات أو غيرها، وأن الكلام هل هو متحد أو منقسم؟ وإذا كان منقسمًا فهل ينقسم بالأنواع أو بالأوصاف؟ وكيف تعلق في الأزل بالمأمور؟ ثم


(١) توضيح المشتبه (٨/ ١٣٩).
(٢) نفح الطيب لابن ناصر الدمشقي (٢/ ٦١٥).
(٣) رواه البخاري في كتاب المظالم باب قوله تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: ٢٠٤] ح (٢٤٥٧) (٥/ ١٢٧)، ومسلم في كتاب العلم باب في الألد الخصم ح (٢٦٦٨) (١٦/ ٤٥٩).

<<  <   >  >>