للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا انعدم المأمور فهل يبقى ذلك التعلق؟ وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلًا هو عين الأمر لعمرو بالزكاة؟ إلى غير ذلك من الأبحاث المبتدعة التي لم يأمر الشرع بالبحث عنها، وسكت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن سلك سبيلهم عن الخوض فيها، لعلمهم بأنها بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته، فإن العقول لها حدٌّ تقف عنده، وهو العجز عن التكييف لا يتعداه، ولا فرق بين البحث في كيفية الذات وكيفية الصفات، ولذا قال العليم الخبير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} (١)، ولا تبادر بالإنكار فعل الأغبياء الأغمار، فإنك قد حُجبت عن كيفية حقيقة نفسك مع علمك بوجودها وعن كيفية إدراكاتك مع أنك تدرك بها، وإذا عجزت عن إدراك كيفية ما بين جنبيك فأنت عن إدراك ما ليس كذلك أعجز. وغاية علم العلماء وإدراك عقول الفضلاء، أن يقطعوا بوجود فاعل هذه المصنوعات، منزه عن صفاتها، مقدَّس عن أحوالها، موصوف بصفات الكمال اللائق به. ثم مهما أخبرنا الصادقون عنه بشيء من أوصافه وأسمائه، قبلناه، واعتقدناه، وما لم يتعرضوا له سكتنا عنه، وتركنا الخوض فيه، هذه طريقة السلف، وما سواها مهاوٍ وتلف، ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما قد ورد في ذلك عن الأئمة المتقدمين ... ".

ثم ذكر أقوالًا في ذم الكلام لعمر بن عبد العزيز (٢)، ومالك، والشافعي، وأحمد، وابن عقيل (٣) سبق بعضها، ثم بيَّن رجوع كثير من


(١) سورة الشورى، الآية: ١١.
(٢) هو الإمام الراشد القدوة العادل المصلح أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز مروان الأموي تولى الخلافة سنتين وأشهر رد فيها المظالم إلى أهلها وسعى في الإصلاح وفعل الخير من الحفاظ المجتهدين والعباد الزاهدين. تاريخ الخلفاء ص (٢٦١) وطبقات الحفاظ ص (٥٧) ترجمة (١٠١).
(٣) أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي المتكلم صاحب التصانيف من =

<<  <   >  >>