للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخالف الأشاعرة ومن وافقهم في قولهم هذا، حيث قال بعد ذكره لأركان الإيمان: مذهب السلف وأئمة الفتوى من الخلف، أن من صدق بهذه الأمور تصديقًا جزمًا لا ريب فيه، ولا تردد ولا توقف كان مؤمنًا حقيقة وسواء كان ذلك عن براهين ناصعة، أو عن اعتقادات جازمة.

على هذا انقرضت الأعصار الكريمة، وبهذا صرحت فتاوى أئمة الهدى المستقيمة حتى حدثت مذاهب المعتزلة المبتدعة، فقالوا: إنه لا يصح الإيمان الشرعي، إلَّا بعد الإحاطة بالبراهين العقلية والسمعية وحصول العلم بنتائجها ومطالبها ومن لم يحصل إيمانه كذلك، فليس بمؤمن ولا يجزئ إيمانه بغير ذلك وتبعهم على ذلك جماعة من متكلمي أصحابنا كالقاضي أبي بكر، وأبي إسحاق الإسفراييني، وأبي المعالي في أول قوليه، والأول هو الصحيح، إذ المطلوب من المكلفين ما يقال عليه: إيمان كقوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (١)، {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٢).

والإيمان: هو التصديق لغة وشرعًا، فمن صدق بذلك كله ولم يجوز نقيض شيء من ذلك، فقد عمل بمقتضى ما أمره الله به، على نحو ما أمره الله تعالى ومن كان كذلك فقد تقصَّى عن عهدة الخطاب، إذ قد عمل بمقتضى السنَّة والكتاب، ولأنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بعده حكمُوا بصحَّة إيمان كلّ من آمن وصدق بما ذكرناه، ولم يفرقوا بين من آمن عن برهان، أو عن غيره، ولأنهم لم يأمروا أجلاف العرب بترديد النظر ولا سألوهم عن أدلَّة تصديقهم، ولا أرجؤوا إيمانهم حتى ينظروا وتحاشوا


(١) سورة النساء، آية: ١٣٦.
(٢) سورة الفتح، آية: ١٣.

<<  <   >  >>