للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمسكوا به في حديث معاذ لا يسلم لهم، بل هو حجة عليهم، وقد بيَّن القرطبي هذا فقال: "قوله: "فإذا عرفوا الله فأخبرهم". أي: إن أطاعوا بالنطق بذلك أي: بكلمتي التوحيد كما قال في الرواية الأخرى: "فإن هم أطاعوا بذلك فأعلمهم" فسمى الطواعية بذلك والنطق به: معرفة؛ لأنه لا يكون غالبًا إلَّا عن المعرفة، وهذا الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به معاذًا هو الدعوة قبل القتال التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصي بها أمراءه، وقد اختلف في حكمها على ما يأتي في الجهاد، وعلى هذا فلا يكون في حديث معاذ حجة لمن تمسك به من المتكلمين، على أن أول واجب على كل مكلف معرفة الله تعالى بالدليل والبرهان، بل هو حجة لمن يقول: إن أول الواجبات التلفظ بكلمتي الشهادة مصدقًا بها" (١).

قال الشوكاني (٢) -رحمه الله- رادًّا على المتكلمين في قولهم في هذه المسألة، مبينًا ما يترتب عليها من النتائج الفاسدة: "فيا لله العجب من هذه المقالة التي تقشعر لها الجلود، وترجف عند سماعها الأفئدة، فإنها جناية على جمهور هذه الأمة المرحومة وتكليف لهم بما ليس في وسعهم ولا يطيقونه، وقد كفى الصحابة الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ولا قاربوها، الإيمان الجملي، ولم يكلفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بين أظهرهم بمعرفة ذلك، ولا أخرجهم عن الإيمان بتقصيرهم عن البلوغ إلى العلم بذلك بأدلته" (٣).


(١) المفهم (١/ ١٨١).
(٢) محمد بن علي الشوكاني الإمام العالم المجتهد أكثر من التصنيف منها: "فتح القدير" في التفسير، "نيل الأوطار" في فقه الحديث، وغيرها كثير توفي سنة (١٢٥٠ هـ). معجم المؤلفين (٣/ ٥٤١)، الأعلام (٦/ ٢٩٨).
(٣) إرشاد الفحول ص (٣٩٣).

<<  <   >  >>