للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للأدلة، فقال عند شرحه لحديث: "ما من مولود إلَّا يولد على الفطرة" (١): "اختلف الناس في الفطرة المذكورة في هذا الحديث، وفي الآية فقيل: هي سابقة السعادة والشقاوة وهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (٢) وأما في الحديث فلا؛ لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير، وقيل: هي ما أخذ عليهم من الميثاق، وهم في أصلاب أبائهم، وهذا إنما يليق بالرواية التي جاء فيها: "كل مولود يولد على الفطرة" ويبعد في رواية من رواه "على هذه الملة" وهي إشارة إلى ملة الإسلام.

وقال بظاهر هذه الآية طائفة من المتأولين، وهذا القول أحسن ما قيل في ذلك -إن شاء الله تعالى- لصحة هذه الرواية، ولأنها مبينة لرواية من قال: على الفطرة. ومعنى الحديث: إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام هو الدين الحق، وقد جاء ذلك صريحًا في الصحيح: "جبل الله الخلق على معرفته فاجتالتهم الشياطين" (٣) وقد تقدم هذا المعنى وقد دلَّ على صحة هذا المعنى بقية الخبر حيث قال: "كلما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " يعني: أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلق سليمًا من الآفات، فلو نزل على أصل تلك الخلقة لبقي كاملًا بريئًا من العيوب، لكن يُتصرفُ فيه، فتجدع أذنه ويوسم وجهه فتطرأ عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل، وكذلك


(١) سبق تخريجه ص (٢٠١).
(٢) سورة الروم، الآية: ٣٠.
(٣) سبق تخريجه ص (٢٠٢).

<<  <   >  >>