للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسان وهو تشبيه واقع ووجهه واضح" (١).

وقول القرطبي السابق موافقٌ للقول الصحيح في هذه المسألة، أما قوله: "إن الله خلق بني آدم مؤهلة لقبول الحق وقوله في تعريف الفطرة: "أي جبلة الله التي جبلهم عليها من التهيؤ لمعرفته والإقرار به" والتي نقلتها سابقًا فلا يفهم منه مخالفته للقول الصحيح، فقد نقل الحافظ بن حجر عن الطيبي (٢) قوله: إن المراد بالفطرة: تمكن الناس من الهدى من أصل الجبلة، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية، كالتقليد. ثم قال الحافظ: وإلى هذا مال القرطبي في المفهم (٣).

فقول القرطبي موافق للمشهور عن السلف؛ لأن السلف الذين فسَّروا الفطرة بالإسلام لم يقصدوا أن المولود يولد عالمًا بأحكام الدين، وإنما قصدوا أن الفطرة تستلزم معرفة الله تعالى وتوحيده من غير سبب خارجي (٤).

ولذا نقل الحافظ ابن حجر عقب نقله لقول القرطبي السابق قول ابن القيم الذي يوضح هذا المعنى حيث قال: "ليس المراد بقوله: "يولد على الفطرة" أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين؛ لأن الله يقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ


(١) المفهم (٦/ ٦٧٥).
(٢) هو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي شرف الدين عالم مشارك في شتى العلوم له "التبيان في المعاني والبيان" وغيرها، توفي سنة (٧٤٣ هـ). الدرر الكامنة (٢/ ٦٨)، معجم المؤلفين (١/ ٦٣٩).
(٣) فتح الباري (٣/ ٢٩٣).
(٤) انظر: دلائل التوحيد لمحمد جمال الدين القاسمي ص (٢٢).

<<  <   >  >>