للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (١) ولكن المراد أن الفطرة مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته ... كل مولود يولد على إقراره بالربوبية، فلو خُلِّيَ وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره" (٢).

وأما المازري فقد ذكر الأقوال التي قيلت في الفطرة، ولم يرجح، لكن رده للأقوال الأخرى المخالفة لتفسير الفطرة بالإسلام يدل على ترجيحه لهذا القول، وسياق كلامه يظهر ذلك، حيث قال عند شرحه لحديث: "ما من مولود إلَّا يولد على الفطرة" (٣): "ذهب بعض الناس إلى أن المراد بالفطرة المذكورة في الحديث ما أُخذ عليهم وهم في أصلاب آبائهم، وأن الولادة تقع عليها حتى يقع التغير بالأبوين. وذهب بعض الناس إلى أن الفطرة هي ما قضي عليه من سعادة أو شقاوة يصير إليها، وهذا التأويل إنما يليق بما في بعض الطرق، وهو قوله: "على الفطرة مطلقًا"، وأما ما وقع في بعض الطرق وهو قوله: "على هذه الفطرة" وقوله في أخرى: "إلَّا وهو على هذه الملة" فإن هذه الإشارة إلى فطرة معينة وملة معينة تمنع هذا التأويل وقد يتعلق هؤلاء بقوله: "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا" (٤) وظاهر هذا يمنع من كون كل مولود يولد على هذه الفطرة، وقد ينفصل الأخرون عنه بأن المراد به حالة ثانية طرأت عليه من التهيؤ للكفر وقبوله عليه، غير الفطرة التي ولد عليها، وقال آخرون: يحتمل أن يريد بالفطرة ما هيء له وكان مناسبًا لما وضع في العقول، وفطرة الإسلام صوابها كالموضوع في العقل، وإنما يدفع العقل عن


(١) سورة النحل، الاية: ٧٨.
(٢) فتح الباري (٣/ ٢٩٣).
(٣) سبق تخريجه ص (٢٠١).
(٤) رواه البخاري في كتاب التفسير باب: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} ح (٤٧٢٦) (٨/ ٢٧٤).

<<  <   >  >>