وعلم الله -سبحانه وتعالى- كما قال السلف "سابق لا سائق" بمعنى: أنه علم تعالى ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، ومنحهم سبحانه القدرة على سلوك طريق الخير أو الشر، وعلم من يسلك طريق الخير، فيهتدي فيسعد، ومن يسلك طريق الشر فيضل فيشقى.
وقد بيَّن العلماء مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب، فقال الطحاوي:"خلق الخلق بعلمه، وقدَّر لهم أقدارًا، وضرب لهم آجالًا، لم يَخْف عليه شيءٌ قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وجمل شيء يجري بتقديره، ومشيئته تنفذ، لامشيئة للعباد إلَّا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلًا، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلًا ... لا راد لقضائه، ولا مُعقِّب لحكمه، ولا غالب لأمره، آمنَّا بذلك كله، وأيقنَّا أن كلا من عنده"(١).
وقال الآجري: "مذهبنا في القدر أنا نقول إن الله عز وجل خلق الجنة، وخلق النار، وخلق لكل واحدة منهما أهلًا ... لا معارض لله في حكمه، يفعل في خلقه ما يريد عدلًا، من ربنا قضاؤه وقدره ... خلق الخلق كما شاء لما شاء فجعلهم شقيًّا وسعيدًا قبل أن يخرجهم إلى الدنيا، وهم في بطون أمهاتهم، وكتب آجالهم، وكتب أرزاقهم، وكتب أعمالهم، ثم أخرجهم إلى الدنيا، وكل إنسان يسعى فيما كتب له وعليه ... لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، الخلق كلهم له، يفعل في خلقه ما يريد، غير ظالم لهم ... أحب الطاعة من عباده، وأمر بها فجرت