للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ممن أطاعه بتوفيقه لهم، ونهى عن المعاصي، وأراد كونها من غير محبة منه لها، ولا أمر بها تعالى عز وجل أن يأمر بالفحشاء أو يحبها، وجل الله تعالى ربنا من أن يجري في ملكه ما لم يرد أن يجري أو شيء لم يحط به علمه قبل كونه قد علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم وبعد أن خلقهم قبل أن يعملوا قضاء وقدرًا، قد جرى القلم بأمره تعالى في اللوح المحفوظ بما يكون من بر وفجور ... يضل من يشاء ويهدي من يشاء" (١).

وبيَّن ابن تيمية -رحمه الله- مذهب أهل السنة والجماعة في القدر، فقال: "مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب ما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان: وهو أن الله خالق كل شيء ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها، من أفعال العباد، وغير أفعال العباد، وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون شيء إلَّا بمشيئته وقدرته، لا يمتنع عليه شيء شاءه، بل هو القادر على كل شيء، ولا يشاء شيئًا إلَّا وهو قادر عليه، وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها، وقد قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم: قدَّر آجالهم، وأرزاقهم، وأعمالهم، وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء ومشيئته لكل ما كان وعلمه بالأشياء قبل أن تكون وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون" (٢).

وقال أيضًا: "ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع إيمانهم


(١) الشريعة (٢/ ٦٩٩، ٧٠٢).
(٢) الفتاوى (٨/ ٤٤٩).

<<  <   >  >>