للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما سبق فيه القضاء، وجرت به المقادير، لا يقتضي من العبد ترك العمل -المفضي إلى الخمول والدعة والبطالة- اتكالًا على ذلك، بل هذا ينافي حقيقة التوكل. فلابد مع التوكل على الله من مباشرة الأسباب المأمور بها شرعًا وعقلًا وفطرة. وقد اقتضت حكمة الله تعالى تعلق الأشياء بمسبباتها وارتباطها بها، وبناءها عليها.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول السرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال، ترتيب الجزاء على الشرط، والمعلول على العلة، والمسبب على السبب ... وبالجملة فالقرآن من أوله إلى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر، والأحكام الكونية والأمرية على الأسباب، بل ترتب أحكام الدنيا والآخرة مصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال" (١).

وقد قال بعض العلماء كلامًا سديدًا في هذه المسألة، وهو قوله: "الالتفات إلى الأسباب شركٌ في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا، نقصٌ في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية، قدحٌ في الشرع، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيًا في حصول النبات، بل لابد من ريح مربية بإذن الله، ولابد من صرف الانتفاء عنه، فلابد من تمام الشروط، وزوال الموانع وكل ذلك بقضاء الله وقدره" (٢).

وهذا ما قرره القرطبي فقال: "استعمل الحرص والاجتهاد في


(١) الجواب الكافي ص (٩، ١٠).
(٢) الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٧٠).

<<  <   >  >>