للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحصيل ما تنتفع به في أمر دينك ودنياك التي تستعين بها على صيانة دينك، وصيانة عيالك ومكارم أخلاقك، ولا تفرط في طلب ذلك، ولا تتعاجز عنه متكلًا على القدر، فتنسب للتقصير، وتُلام على التفريط شرعًا وعادة، ومع إنهاء الاجتهاد نهايته وإبلاغ الحرص غايته، فلابد من الاستعانة بالله والتوكل عليه، والالتجاء في كل الأمور إليه، فمن سلك هذين الطريقين حصل على خير الدارين" (١).

وردَّ على الذين يتركون العمل احتجاجًا بالقدر، فقال: "وقوله: "أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل"؟ وفي الرواية الأخرى: "أفلا نتَّكل على كتابنا؟ " (٢) حاصل هذا السؤال أنه إذا وجبت السعادة والشقاوة، بالقضاء الأزلي، والقدر الإلهي، فلا فائدة للتكليف ولا حاجة بنا إلى العمل، فنتركه، وهذه أعظم شبه النافين للقدر، وقد أجابهم -صلى الله عليه وسلم- بما لا يبقى معه إشكال فقال: "اعملوا فكلٌّ مُيسَّر لما خُلِقَ له" ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦)} (٣) ووجه الانفصال: أن الله تعالى أمرنا بالعمل فلابد من امتثال أمره، وغيَّب عنَّا المقادير لقيام حجته وزجره، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته وحكمته وعزه" (٤).

والرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو إمام المتوكلين، لم يكن ليترك الأسباب، مع توكله على الله، بل كانت أقواله وأفعاله -صلى الله عليه وسلم- تدل على أن فعل الأسباب من التوكل على الله.


(١) المفهم (٦/ ٦٨٢).
(٢) رواه البخاري في كتاب التفسير سورة الليل: باب {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨)} ح (٤٩٤٧) (٨/ ٥٧٩)، ومسلم في كتاب القدر باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه ح (٢٦٤٧) (١٦/ ٤٣٤).
(٣) سورة الليل، الآيتان: ٥، ٦.
(٤) المفهم (٦/ ٦٥٨).

<<  <   >  >>