للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا أمرٌ معلوم لا يحتاج إلى بيان، فقد شارك -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في حفر خندق حول المدينة في غزوة الأحزاب عملًا بالأسباب، وقد ردَّ القرطبي على جهلة الصوفية -الذين يجعلون الأخذ بالأسباب من قوادح التوكل- عند شرحه لهذا الحديث فقال: "وغير خَافٍ ما في هذا الحديث من الفقه، من جواز التحصن والاحتراز من المكروهات، والأخذ بالحزم، والعمل في العادات بمقتضاها، وأن ذلك كله غير قادح في التوكل، ولا منقص فيه، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- على كمال المعرفة بالله تعالى، والتوكل عليه، والتسليم لأمره، ومع ذلك لم يطرح الأسباب، ولا مقتضى العادات، على ما يراه جهال المتزهدين أهل الدعاوي الممخرقين" (١).

ومن اتخاذ الأسباب التي أمر بها تعالى: الدعاء، كما قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} (٢)، وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (٣)، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (٤).

"فإن قالوا إن هذا الدعاء الذي أمرنا الله عز وجل به وأرشدنا إليه، وجعل تركه استكبارًا وتوعَّد عليه بدخول النار، مع الذل، وأنكر عليهم أن غيره يجيب المضطر، إن كان ذلك كله لا فائدة فيه للعبد، فقد نسب إلى الرب -عز وجل- ما لا يجوز عليه، ولا تحل نسبته إليه بإجماع المسلمين، فإنه عز وجل لا يأمر إلَّا بما فيه فائدة للعبد، دنيوية وأخروية،


(١) المفهم (٣/ ٦٤٥) وانظر أيضًا (٣/ ٤٩٣).
(٢) سورة غافر، الآية: ٦٠.
(٣) سورة النمل، الآية: ٦٢.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٨٦.

<<  <   >  >>