للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)} (١).

قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: "الله تعالى أعطى كل مخلوق قدرة وإرادة، يتمكن بها من فعل ما كلِّف به، فما أوجب الله على أحد ما لا يقدر على فعله، ولا حرَّم على أحد ما لا يتمكن من تركه، فالاحتجاج بعد هذا بالقضاء والقدر ظلم محض، وعناد صرف ... فالمحتجُّون على المعاصي بالقضاء والقدر يتناقضون في ذلك، فإنهم لا يمكنهم أن يطردوا في ذلك بل لو أساء إليهم مسيء بضرب أو أخذ مال أو نحو ذلك، واحتج بالقضاء والقدر لما قبلوا منه هذا الاحتجاج" (٢).

فبطلان الاحتجاج بالقدر أمرٌ واضح؛ لأنه يلزم منه تعطيل الشرع وجريان الأحكام على العباد، وهذا معلوم بطلانه بالضرورة (٣).

وقد بيَّن شيخ الإسلام بطلان هذه الحجة عقلًا، فقال: "إن الواحد من هؤلاء إما أن يرى القدر حجة للعبد، وإما أن لا يراه حجة للعبد، فإن كان القدر حجة للعبد فهو حجة لجميع الناس، فإنهم كلهم مشتركون في القدر، وحينئذ فيلزم أن لا ينكر على من يظلمه ويشتمه ويأخذ ماله ويفسد حريمه، ويضرب عنقه، ويهلك الحرث والنسل، وهؤلاء جميعهم كذّابون متناقضون، فإن أحدهم لا يزال يذم هذا ويبغض هذا، ويخالف هذا، حتى إن الذي ينكر عليهم يبغضونه ويعادونه وينكرون عليه، فإن كان القدر حجة لمن فعل المحرمات وترك الواجبات، لزمهم أن لا يذموا


(١) سورة الأنعام، الآيتان: ١٤٨، ١٤٩.
(٢) تفسير السعدي ص (٢٨٢).
(٣) انظر الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٢٦٤).

<<  <   >  >>