للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدًا ولا يبغضوا أحدًا، ولا يقولوا في أحدٍ: إنه ظالم، ولو فعل ما فعل، ومعلوم أن هذا لا يمكن لأحدٍ فعله، ولو فعل الناس هذا لهلك العالم، فتبين أن قولهم فاسد في العقل" (١).

وهؤلاء قد يستدلون بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في احتجاج آدم وموسى -عليهما السلام- حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "احتجَّ آدمُ وموسى فقال له موسى: يا آدمُ أنت أبُونا خيَّبْتَنا وأخرجْتَنا من الجنة، قال لهُ آدمُ: أنت موسى اصطفاك الله بكلامِه وخطَّ لك بيده أتلُومني على أمر قد قدَّره الله عليَّ قبل أن يخلُقني بأربعين سنة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: فحجَّ آدمُ موسى فحجَّ آدمُ موسى" (٢).

وقد كان للعلماء أجوبة كثيرة على هذا الحديث تخرجه عن الاستدلال به في هذا المذهب الباطل في القدر.

وكذا فعل القرطبي حيث أبطل الاستدلال بهذا الحديث على فعل المعاصي، وذكر بعض صور توجيه الحديث، وبيَّن ضعف بعضها، ورجَّح ما يراه، حيث قال: "ظاهر هذا أن آدم إنما غلب موسى بالحجة؛ لأنه اعتذر بما سبق له من القدر، عما صدر عنه من المخالفة، وقبل عذره، وقامت بذلك حجته، فإن صح هذا لزم عليه أن يحتج به كل من عصى ويعتذر بذلك، فيُقبل عذره، وتثبت حجته، فحينئذ تكون للعصاة على الله حجة، وهذا مناقض لقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} (٣) وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث:


(١) الفتاوى (٨/ ٢٦٣).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب وفاة موسى وذكره بعدُ ح (٣٤٠٩) (٦/ ٥٠٨) ومسلم في كتاب القدر باب حجاج آدم وموسى -عليهما السلام- ح (٢٦٥٢) (١٦/ ٤٣٩).
(٣) سورة الأنعام، الآية: ١٤٩.

<<  <   >  >>