للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقيل: إما غلبه آدم بالحجة؛ لأن آدم أبوموسى، وموسى ابن، ولا يجوز لوم الابن أباه، ولا عتبه. قلت: وهذا نأي عن الحديث، وعما سيق له.

وقيل: إنما كان ذلك لأن موسى قد كان علم من التوراة أن الله تعالى قد جعل تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة وسكناه الأرض، ونشر نسله فيها، ليكلفهم ويمتحنهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي.

قلت: وهذا إبداء حكمة تلك الأكلة لا انفصال عن إلزام تلك الحجة، والسؤال باقٍ لم ينفصل عنه.

وقيل: إنما توجهت حجته عليه، لأنه قد علم من التوراة ما ذكروا: أن الله تاب عليه واجتباه وأسقط عنه اللوم والعتب، فلوم موسى وعتبه له -مع علمه بأن الله تعالى قدر المعصية، وقضى بالتوبة وبإسقاط اللوم والمعاتبة حتى صارت تلك المعصية كأن لم تكن- وقع في غير محله، وعلى غير مستحقه، وكان هذا من موسى نسبة جفاء في حال الصفاء، كما قال بعض أرباب الإشارات: ذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء، وهذا الوجه إن شاء الله أشبه ما ذكروا، وبه يتبين أن ذلك الإلزام لا يلزم" (١).

والمازري كذلك رجَّح ما ذهب إليه القرطبي من أن اللوم لا ينبغي وقوعه بعد التوبة، حيث قال: قال بعض أهل العلم: لما كان الله سبحانه قد تاب على آدم عليه السلام من معصيته، لم يجب لومه عليها، وإلَّا فالعاصي منا لا ينجيه من اللوم والعقاب، وقوله: "إن الله قدَّر ذلك عليَّ" لأنه أيضا قد قدَّر عليه العقوبة واللوم إذا وقعا به، ولما كان الله تعالى تاب على آدم -صلى الله عليه وسلم- صار ذكر ذلك له إنما يفيد إذًا مباحثته عن السبب الذي دعاه إلى ذلك، فأخبر آدم أن السبب قضاء الله وقدره، وهذا جوابٌ صحيح إذا


(١) المفهم (٦/ ٦٦٧).

<<  <   >  >>