للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت المباحثة عن الموقع في ذلك ولم يكن عند آدم سبب موقع فيه على الحقيقة إلَّا قضاء الله وقدره، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "فحجَّ آدم موسى" ولهذا قال آدم لموسى صلى الله عليهما: "أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه" وذكر فضائله التي أعطاه يريد بذلك أن الله سبحانه قدَّر ذلك وقضى به، فنفذ ذلك كما قدر علي ما فعلت فنفذ فيَّ" (١).

وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام القرطبي السابق، وقال هو محصل ما أجاب به المازري، واختاره الحافظ وقال هو المعتمد (٢).

واختار ابن القيم رحمه الله هذا الجواب وأيَّد هذا التوجيه، فقال: "الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته، كما فعل آدم فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع؛ لأنه لا يدفع بالقدر أمرًا ولا نهيًا، ولا يبطل به شريعة، بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة يوضحه أن آدم قال لموسى: أتلومني على أن عملت عملًا كان مكتوبًا عليَّ قبل أن أُخلق؟ فإذا أذنب الرجل ذنبًا ثم تاب منه توبة، وزال أمره، حتى كأن لم يكن فأنَّبهُ مؤنِّبٌ عليه، ولَامَه، حَسُنَ منه أن يحتجَّ بالقدر بعد ذلك، ويقول: هذا أمر كان قد قدِّرَ عليَّ قبل أن أُخلق، فإنه لم يدفع بالقدر حقًّا، ولا ذكره حجة على باطل، ولا محذور في الاحتجاج به، وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل بأن يرتكب فعلًا محرمًا، أو يترك واجبًا فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر على


(١) المعلم (٣/ ١٧٧).
(٢) فتح الباري (١١/ ٥١٨).

<<  <   >  >>