للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القدرة والإرادة اللتين بهما يفعل، فلا منافاة بين عموم خلقه تعالى لجميع الأشياء، وبين كون العبد فاعلًا لفعله حقيقة (١).

فأهل السنة وسط بين القدرية الذين يجعلون العبد خالقًا لأفعاله الاختيارية، وبين الجبرية الذين يجعلون العبد مجبورًا في أفعاله لا قدرة له، ولا إرادة ولا اختيار (٢).

وأما قول الأشاعرة فهو في الحقيقة لا يختلف عن قول الجبرية، فالجبرية قالوا: إن فعل العبد ينسب إليه مجازًا (٣)، والأشاعرة يقولون ينسب إليه عادة.

والنتيجة بهذا واحدة، وهو نفي الفعل عن العبد، وإن كان بعض الأشاعرة أثبت للعبد نوع تأثير وهؤلاء أقرب إلى أهل السنة.

قال الجويني -وهو من أئمة الأشاعرة الذين خالفوهم في هذه المسألة-: "أما نفي هذه القدرة والاستطاعة فمما يأباه العقل والحس، وأما إثبات قدرة لا أثر لها بوجه فهو كنفي القدرة أصلًا" (٤).

وقد بيَّن شيخ الإسلام -رحمه الله- أن سبب قولهم هذا يرجع إلى عدم تفريقهم بين الفعل والمفعول، والخلق والمخلوق، وعدم تفريقهم بين ما يقوم بالله من الأفعال وما هو منفصل عنه، وجعلهم كل أفعال الله مفعولة له منفصلة عنه.


(١) انظر: الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٩١٧، ٤٥٩)، وشفاء العليل لابن القيم (١/ ٣٣٣)، وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد العثيمين (٢/ ٢١٠).
(٢) انظر: وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم ص (٣١٧٩).
(٣) الملل والنحل (١/ ٨٧)، وقد قال القرطبي بذلك كما سبق بيانه فوافق الجبرية وإن كان ليس هناك فرق في الحقيقة بين نسبته إليه مجازًا أو عادة.
(٤) الملل والنحل (١/ ٩٨).

<<  <   >  >>