للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقل أن يجعل الله سبحانه وتعالى هذه الأعمال أمارة على استحقاق الجنة والنار، ويسهل لكل عبد ما قضي له، أو عليه من ذلك" (١).

والأشاعرة هربوا من قول المعتزلة فوقعوا في الجبر، إذ أثبتوا للعبد قدرة غير مؤثرة، فأصبح العبد عندهم مجبورًا على فعله، ولذا بيَّن القرطبي أن الهداية هي خلق القدرة على الطاعة حيث قال: "الهداية الحقيقية هي خلق القدرة على الطاعة، وقبولها، وليس ذلك إلَّا لله تعالى" (٢).

فالعاصي على هذا غير قادر على الطاعة ولا مستطيع لها؛ لأن الله لم يخلق له القدرة على ذلك.

وهذا خلاف قول أهل السنة والجماعة الذين أثبتوا للعبد قدرة على فعله، والله سبحانه لم يخلق للمطيع قدرة على الطاعة، لم يخلقها للعاصي، بل القدرة ثابتة للجميع، وأما قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)} (٣) وما شابهها من الآيات، فالمراد بعدم الاستطاعة فيها مشقة ذلك وصعبوته عليهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته، وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه (٤).

ومذهب أهل السنة والجماعة في أفعال العباد أن الله سبحانه وتعالى خالق أفعال العباد كلها، والعباد فاعلون حقيقة، ولهم قدرة حقيقية على أعمالهم، وقدرتهم مؤثرة في المقدور، فهم يقولون إن العبد فاعل حقيقة، وهو الذي يوصف بفعله، فهو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، والله خالقه، وخالق فعله؛ لأنه هو الذي خلق فيه


(١) المعلم (٣/ ١٧٥).
(٢) المفهم (١/ ١٩٦).
(٣) سورة هود، الآية: ٢٠.
(٤) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (١/ ٦١).

<<  <   >  >>