للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتكليف بما لا يُطاق على قسمين:

الأول: ما لا يطاق للعجز عنه عادة: كتكليف الإنسان بالطيران في الهواء، أو المشي فوق الماء. وما لا يطاق للعجزء عنه عقلًا كالجمع بين الضدين.

الثاني: ما لا يطاق، لا للعجز عنه، لكن لتركه والاشتغال بضده: كتكليف الكافر الإيمان في حال كفره.

والأشاعرة اتفقوا على جواز النوع الثاني، واختلفوا في النوع الأول، فمن مجيز ومانع (١).

وقد حكى القرطبي هذا الخلاف دون ترجيح نقال: "إنما الخلاف في جواز التكليف بما لا يمكننا إيقاعه: عقلًا كالجمع بين الضدين، أو عادة: كالطيران في الهواء، والمشي فوق الماء، فمن مجوز ومن مانع" (٢).

ولكنه في موضع آخر وافق الأشاعرة في قولهم، فرجَّح جواز التكليف بما لا يطاق، فقال: "قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} (٣) ما: هذه أيضًا على عمومها، فتتناول كل ما يقع في نفس الإنسان من الخواطر، ما أُطيق دفعها شها، وما لا يُطاق، ولذلك أشفقت الصحابة من محاسبتهم على جميع ذلك، ومؤاخذتهم به، فقالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: كُلِّفنا ما نطيق بالصلاة والى جام، وهذه الآية لا نطيقها ... فأقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما فهموه، وبيَّن لهم أن لله تعالى أن


(١) انظر: اللمع للأشعري ص (٩٨)، والمستصفى للغزالي (١/ ١١٦٣).
(٢) المفهم (٧/ ٣٢١).
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٨٤.

<<  <   >  >>