للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالظلم منه ممتنع غير مقدور، كالجمع بين الضدين، ولو قدر وجوده، فإنه عدل. فلو عذَّب الله المطيعين من الأنبياء والمرسلين، ونعَّم العاصين من الكافرين والظالمين لم يكن ظالمًا؛ لأنه يتصرف في ملكه، وليس فوقه آمر حتى يخالفه.

وهذا هو قول الجهمية وعامة الأشاعرة، ومن تابعهم من بعض أتباع مالك والشافعي وأحمد (١).

الثاني: قول المعتزلة، وهو أن الظلم مقدور لله عز وجل، ولكنه منزه عنه لقبحه، ولكنهم يجعلون الظلم الذي حرَّمه الله، وتنزَّه عنه نظير الظلم من الآدميين بعضهم لبعض، فشبَّهوه في الأفعال ما يحسن منها وما لا يحسن بعباده، فضربوا له من أنفسهم الأمثال، ولذلك فهم يسمون مشبهة الأفعال. فالله عندهم عدل لا يظلم؛ لأنه لم يرد وجود شيء من الذنوب، لا الكفر، ولا الفسوق، بل العباد يفعلون ذلك بغير مشيئته، فليس بخالق لأفعال العباد؛ لأنه لو كان خالقًا لها، ثم عاقب عليها، لكان ظالمًا للعباد (٢).

وقد ذكر القرطبي القولين السابقين، وارتضى القول الأول الذي عليه عامة الأشاعرة، وأعرض عن القول الثالث الذي عليه أهل السنة، فلم يذكره ولم يشر إليه، حيث قال: "اتفق العقلاء على أن الظلم على الله تعالى مُحال، وإنما اختلفوا في الطريق، فالقائلون بالتحسين والتقبيح عقلًا يقولون: يستحيل عليه لقبحه، ومن لا يقول بذلك يقولون: يستحيل عليه لاستحالة شرطه في حقه تعالى، وذلك أن الظلم إنما يتصور في حق


(١) انظر منهاج السنة (٣/ ٢٩). وجامع الرسائل رسالة في كون الرب عادلًا وتنزهه عن الظلم (١/ ١٢١).
(٢) انظر إنعام الباري في شرح حديث أبي ذر الغفاري لابن تيمية (٢٩ - ٤٤).

<<  <   >  >>