للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يجعلوا أحكام الشرع معللة بناء على مذهبهم في التعليل، فلا فرق عندهم بين السجود للشيطان والسجود للرحمن في نفس الأمر، ولا بين الصدق والكذب، إلَّا أن الشارع حرم هذا وأوجب، هذا فمعنى حسنه كونه مأمورًا به، لا أنه منشأ مصلحة، ومعنى قبحه كونه منهيًّا عنه، لا أنه منشأ مفسدة ولا فيه صفة اقتضت حسنه أو قبحه" (١).

وهذا ما سلكه القرطبي في هذه المسألة حيث قال: "الله تعالى جبل القلوب الكاملة على القيام بحق الأمانة من حفظها واحترامها وأدائها لمستحقها، وعلى النفرة من الخيانة فيها لتنتظم المصالح بذلك، لا لأنها حسنة في ذاتها كما يقوله المعتزلة" (٢).

وقال أيضًا: "إن أعمال العباد الصالحة ليست مما تقتضي دخول الجنة إذ ليست في أنفسها على صفات تقتضي ذلك، ولا يستحق المكلف على الله بسببها شيئًا (٣)، إذ لا منفعة له فيها، ولا غرض، فإنه الغني بذاته


(١) مدراج السالكين لابن القيم (١/ ٢٣٠).
(٢) المفهم (١/ ٣٥٦).
(٣) العمل سبب لدخول الجنة كما قال تعالى: {دْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} النحل: (٣٢) وقوله تعالى: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، الأعراف: (٤٣). قال ابن كثير: بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة. تفسير ابن كثير (٢/ ٢٠٦)، وقال السعدي: العمل هو السبب والمادة والأصل في دخول الجنة. تفسير السعدي ص (٤٦٧) وفي الجمع بين قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)}، وبين قوله -صلى الله عليه وسلم- "لن ينجو أحد بعمله" مسلم في كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله ح (٢٨١٦) (١٧/ ١٦٤) قال ابن القيم: الأعمال سبب لدخول الجنة مقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب مسبباتها، وأما الحديث فأخبر فيه أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد وأنه لولا رحمة الله بعبده لما أدخله الجنة لأنَّ العمل بمجرده ولو تناهى لا يوجب دخول الجنة ولا أن يكون عوضًا لها لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، مفتاح دار السعادة (١/ ٨) بتصرف، وبمن رحمه الله=

<<  <   >  >>