للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خصوصًا إذا علمنا أن المازري أشعري خالص لا يكاد يخرج عن رأي الأشاعرة في جميع مسائل العقيدة. حيث قال في هذه المسألة: "لا يقال أن قولهم: "أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر" (١) إنما بعُدَ عندهم على طريقة المعتزلة في التقبيح والتحسين من جهة العقول، وأنه لا يؤجر إلَّا على فعله، بل يحتمل أن يكون إنما بَعُدَ عندهم على ما عهدوه من حكم الشريعة، وتقرر عندهم أن الأجور تكون بقدر المشاق، وهذا مما تدعو إليه الطباع وتستلذه" (٢).

والمذهب الصحيح في هذا ما عليه جمهور أهل السنة والجماعة، وهو وسطٌ بين طرفين، فهم يقولون: إن الحسن والقبح يعرفان بالعقل، ولكن لا يترتب على ذلك ثواب ولا عقاب، قبل ورود الشرع بالأمر والنهي.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة، كما أنها نافعة وضارة، والفرق بينهما كالفرق بين المطعومات والمشمومات والمرئيات، ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، إلَّا بالأمر والنهي، وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحًا موجبًا للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلَّا بعد إرسال الرسل، فالسجود للشيطان والأوثان والكذب والزنا والظلم والفواحش كلها قبيحة في ذاتها، والعقاب عليها مشروط بالشرع" (٣).


(١) رواه مسلم في كتاب الزكاة باب بيان أنَّ اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف ح (١٠٠٦)، (٧/ ٩٥).
(٢) المعلم (٢/ ١٧).
(٣) مدراج السالكين (١/ ٢٣١).

<<  <   >  >>