للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في موضع آخر- عن دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببعض الدعوات- حاثًّا على الاقتداء به عليه السلام: "إنما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الدعوات، وتعوَّذ بهذه التعوذات، إظهارًا للعبودية، وبيانًا للمشروعية ليُقتدي بدعواته ويتعوذ بتعويذاته" (١).

والدعاء كما أنه عباد وقربة إلى الله تعالى، وامتثالٌ لأمره تعالى، إذ قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (٢). فالمسلم بدعائه يرجو الإجابة، ولذا فلابد من القيام بهذه العبادة على وجهها الصحيح من الإتيان بشروط الدعاء، والحذر من موانع الإجابة، وقد ذكر العلماء ذلك في كتبهم، وتوسَّعوا ليحقِّقَ العبد العبادة. وقد ذكر القرطبي بعض هذه الشروط والتي منها: العزم في الدعاء وإظهار الحاجة والافتقار حيث قال عن هذا الشرط عند شرحه لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقُولَنَّ أحدُكُم اللهُمَّ اغفر لي إن شئت! اللهم ارحمني إن شئت! ليعزم في الدعاء فالله صانع ما شاء لا مكره له" (٣): "إنما نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن هذا القول لأنه يدل على فتور الرغبة، وقلة التهمم بالمطلوب، وكأن هذا القول يتضمن: أن هذا المطلوب إن حصل وإلَّا استغني عنه، ومن كان هذا حاله لم يتحقق من حاله الافتقار والاضطرار الذي هو روح عبادة الدعاء، وكان ذلك دليلًا على قلة اكتراثه بذنوبه وبرحمة ربه، وأيضًا فإنه لا يكون موقنًا بالإجابة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافلٍ


(١) المفهم (٧/ ٣٥).
(٢) سورة غافر، الآية: ٦٠.
(٣) رواه البخاري في كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له ح (٦٣٣٩) (١١/ ١٤٤)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب العزم بالدعاء ح (٢٦٧٩) (١٧/ ٩).

<<  <   >  >>