للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العصاة والمذنبين، وقد قلنا: إن حسن الظن بغير عمل غرة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الكيِّسَ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله" (١) وهذا إنما يكون في حالة الصحة والقوة على العمل، وأما في حال حضور الموت، فليس ذلك الوقت وقتًا يقدر فيه على استئناف غير الفكر في سعة رحمة الله تعالى وعظيم فضله، وأنه لا يتعاظمه ذنب يغفره، وأنه الكريم الحليم الغفور الشكور" (٢).

وهذا الذي ذكره القرطبي هو الذي عليه عامة سلف الأمة، إذ العبد لابد له من الخوف والرجاء، فيستقيم سلوكه على أمر الله على هذين المسلكين، ويعالج نفسه بالخوف أحيانًا وبالرجاء أحيانًا، حسب ما يصلح به حاله.

قال الإمام أحمد: "ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدًا" (٣) ونقل ابن رجب عن بعض السلف قوله: "من عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحد مؤمن" (٤).

ولذا قال القرطبي عند قوله تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (٥): "هكذا حال العارف بالله تعالى بين الرجاء والخوف، لابد


(١) رواه أحمد في مسنده (٤/ ١٢٤) والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (٢٥) وقال هذا حديث حسن وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير ص (٦٢٥) برقم (٤٣٠٥).
(٢) المفهم (٧/ ١٤٣).
(٣) مسائل الإمام أحمد لابن هانيء (٢/ ١٧٨).
(٤) التخويف من النار لابن رجب (١٧).
(٥) سورة الإسراء، الآية: ٥٧.

<<  <   >  >>