للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والالتجاء إليه في كل الأمور، فمن سلك هذين الطريقين حصل على خير الدارين" (١).

ومما يبين أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-من الأخذ بالأسباب والحزم في جميع الأمور، فقد حمل السلاح، ولبس في الحرب درعين، ومن تتبع سيرته عليه السلام علم منه ذلك علم اليقين، وهو عليه الصلاة والسلام إمام المتوكلين.

وقد بيَّن القرطبي حاله -صلى الله عليه وسلم- من أخذه بالأسباب وتوكله على الله تعالى، فقال في استنباطه لفوائد من غزوة الخندق: "منه جواز التحصن والاحتراز من المكروهات والأخذ بالحزم والعمل في العادات بمقتضاها، وأن ذلك كله غير قادح في التوكل ولا منقص، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- على كمال المعرفة بالله، والتوكل عليه، والتسليم لأمره، ومع ذلك فلم يطرح الأسباب ولا مقتضى العادات على مايراه جهال المتزهدين أهل الدعاوي الممخرقين" (٢).

وحث على الاقتداء به عليه الصلاة والسلام فلنا فيه أسوة، حيث قال: "من أهمل شيئًا من الأسباب المعتادة زاعمًا أنه متوكل، فقد غلط، فإن التوكل لا يناقض التحرز، بل: حقيقته لا تتم إلَّا لمن جمع بين الاجتهاد في العمل على سنة الله، وبين التفويض إلى الله تعالى، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (٣).


(١) المفهم (٦/ ٦٨٢).
(٢) المفهم (٣/ ٦٤٥).
(٣) المفهم (٦/ ٥٨).

<<  <   >  >>