للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان" (١).

وقال القرطبي: "ظاهر هذا الحديث أن من كانت هذه الخصال الثلاث (٢) فيه خرج عن الإيمان، وصار في النفاق الذي هو الكفر الذي قال فيه مالك: النفاق الذي كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الزندقة عندنا اليوم، وليس الأمر على مقتضى هذا الظاهر ... ولما استحال حمل هذا الحديث على ظاهره على مذهب أهل السنة اختلف العلماء فيه على أقوال:

أحدها: أن هذا النفاق هو نفاق العمل الذي سأل عنه عمر حذيفة لما قال له: هل تعلم في شيئًا من النفاق؟ أي: من صفات المنافقين الفعلية، ووجه هذا: أن من كانت فيه هذه الخصال المذكورة كان ساترًا لها، ومظهرًا لنقائضها، فصدق عليه اسم منافق.

وثانيها: أنه محمول على من غلبت عليه هذه الخصال، واتخذها عادة، ولم يبال بها تهاونًا واستخفافًا بأمرها، فأيُّ من كان هكذا كان فاسد الاعتقاد غالبًا فيكون منافقًا خالصًا.


(١) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب علامة النفاق ح (٣٣) (١/ ١١١) ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان خصال المنافق ح (٥٩) (٢/ ٤٠٧).
(٢) قال القرطبي: كونه عليه الصلاة والسلام ذكر في حديث أبي هريرة أن علامة المنافق ثلاث، وفي حديث ابن عمر أنها أربع، يحتمل أن يكون ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام استجد من العلم بخصال المنافقين مالم يكن عنده فإما بالوحي وإما بالمشاهدة لتلك منهم وعلى مجموع الروايتين تكون خصالهم خمسًا: الكذب والغدر والإخلات والخيانة، والفجور في الخصومة. ولا شك في أن للمنافقين خصالًا أخرى مذمومة كما وصفهم الله تعالى حيث قال: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)} [النساء: ١٤٢] فيحمل أن يقال: إنما خصَّت تلك الخصال الخمس بالذكر لأنها أظهر عليهم من غيرها عند مخالطتهم للمسلمين، أو لأنها هي التي يضرون بها المسلمين ويقصدون بها مفسدتهم دون غيرها من صفاتهم والله أعلم. المفهم (١/ ٢٥٩).

<<  <   >  >>