للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث قال: "قوله: "كاذبًا متعمدًا" يحتمل أن يريد به النبي -صلى الله عليه وسلم- من كان معتقدًا لتعظيم تلك الملة المغايرة لملة الإسلام، وحينئذ يكون كافرًا حقيقة ... وأما إن كان الحالف بذلك غير معتقد لذلك فهو آثم مرتكب كبيرة، إذ قد نسبه في قوله لمن يعظم تلك الملة ويعتقدها فغلظ عليه الوعيد بأن صيَّره كواحد منهم مبالغة في الردع والزجر" (١).

وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الحلف بالآباء إذ المقصود تعظيمهم بذلك، وهو نهيٌّ عن الحلف بالآباء وغيرهم إذ الحلف لا يكون إلَّا بالله فهو المستحق للتعظيم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" (٢) قال القرطبي: "إنما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحلف بالآباء لما فيه من تعظيمهم بصيغ الأيمان؛ لأن العادة جارية بأن الحالف منَّا إنما يحلف بأعظم ما يعتقده كما بيناه وإذا كان ذلك: فلا أعظم عند المؤمن من الله تعالى فينبغي ألا يحلف بغيره، فإذا حلف بغير الله فقد عطم ذلك الغير بمثل ما عظَّم به الله تعالى، وذلك ممنوع منه، وهذا الذي ذكرناه في الآباء جارٍ في كل محلوف به غير الله تعالى وإنما جرى ذكر الآباء هنا؛ لأنه هو السبب الذي أثار الحديث حين سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر يحلف بأبيه، وقد شهد لهذا المعنى قوله: "من كان حالفًا فلا يحلف إلَّا بالله" وهذا حصر، وعلى ما قررناه فظاهر النهي التحريم، ثم هذا النهي وإن كان ظاهره التحريم فيتحقق فيما


= (١١/ ٥٤٦)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل النفس ح (١١٠) (٢/ ٤٧٩).
(١) المفهم (١/ ٣١٢).
(٢) رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم ح (٦٦٤٦)، (١١/ ٥٣٨) ومسلم في كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله ح (١٦٤٦) (١١/ ١١٦) ولفظه "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت" وفي رواية عند مسلم "فلا يحلف إلَّا بالله".

<<  <   >  >>