للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيء من خلقه، ولما يؤدي إلى الاعتقاد بأن لتلك المخلوقات تأثيرًا في قضاء الله وقدره. فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "الطيرةُ شرك، وما منا إلَّا، ولكن يذهبه الله بالتوكل" (١).

قال القرطبي: "وإنما كان -صلى الله عليه وسلم- يكره الطيرة؛ لأنها من أعمال الشرك؛ ولأنها تجلب ظن السوء بالله تعالى، كما قد روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطيرة شرك -ثلاثًا- وما منا إلَّا، ولكن الله يذهبه بالتوكل" أي: من اعتقد في الطيرة ما كانت الجاهلية تعتقده فيها فقد أشرك مع الله تعالى خالقًا آخر، ومن لم يعتقد ذلك فقد تشبه بأهل الشرك" (٢).

هذا إذا صدت الإنسان عن حاجته كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من ردَّتُه الطيرةُ عن حاجته فقد أشرك" (٣). لكن إذا وقع في نفسه شيء من ذلك، ولكنه توكل على الله ومضى في حاجته، فلا يلحقه إثمٌ ولا ذم، إذ لا يكلف الله نفسًا إلَّا وسعها، لما جاء من حديث معاوية بن الحكم -رضي الله عنه- عندما قال للرسول -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منَّا رجالًا يأتون الكهان قال: "فلا تأتهم" قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: "ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصُدَّنهم" (٤).


(١) رواه الترمذي في أبواب السير، باب ما جاء في الطيرة، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، ورواه أبو داود في كتاب الكهانة والتطير، باب في الطيرة، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (١/ ٧٩١) برقم (٤٢٩).
(٢) المفهم (٥/ ٦٢٨).
(٣) رواه أحمد في مسنده (٢/ ٢٢٠)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٣/ ٥٣) رقم (١٠٦٥).
(٤) رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ح (٥٣٧) (٥/ ٢٣).

<<  <   >  >>